Sunday, January 21, 2007

شيوخ المؤرخين والتعديل الدستوري



محمود سلطان : بتاريخ 17 - 1 - 2007
لم تستمع المعارضة المصرية لنصيحة مؤرخين كبار، مثل القاضي الجليل المستشار طارق البشري، وغيره ، ممن كتبوا في صحف المعارضة محذرين من تعديل الدستور أو كتابة دستور جديد في ظروف مصر الحالية! .بمتابعتي لهذه "النصيحة" ورد فعل النخبة المصرية التي تتصدر حركات الاصلاح السياسي في الوقت الراهن، استقر في ضميري قناعة بالفارق بين من يقرأ التاريخ ومن يفهمه.البشري ليس مؤرخا مرموقا وحسب، وإنما يتمتع بوعي تاريخي يؤهله إلى أن يكون مرجعية مهمة في استشراف مستقبل الحراك السياسي الحالي في مصر.لقد سمعته في ندوة بنقابة الصحفيين،وهو يتوقع أن يخسر المصريون "قيمة" عادل حسين وثروته الفكرية والسياسية والاقتصادية، كما فقدوا "الثروة" العلمية لفقيه مصر الكبير الليث ابن سعد ـ رحم الله الإثنين ـ عندما اكتشف البشري التشابه والتماثل بين موقف"تلاميذ" الرجلين من نتاجهما الفكري والعلمي.البشري حذر من الإسراف في المطالبة بتعديل الدستور الآن، في ظل الظروف السياسية الحالية لمصر، التي تملك مقاليد الأمور فيها مؤسسة الرئاسة وحدها ، وتنفرد بصناعة كافة القرارات فيها من السياسة إلى الرياضة.التجربة التاريخية تثبت أن "التشريعات" مرحلة لاحقة على الدولة، فأية منظومة تشريعية وقانونية تبلغ نضجها ـ وبشكل منصف وعادل ـ بعد أن تتضح ملامح الدولة وتستقر في شكلها المؤسسي والسياسي.على سبيل المثال .. لم يتطور الفقه ـ باعتباره المرجعية القانونية والدستورية للدولة ـ في التاريخ الإسلامي إلا في القرن الثاني الهجري، بعد أن تطورت الدولة واستقرت في بنيتها المؤسسية والسياسية.. ولذا نلحظ أن أساتذة "الدستور ـ الفقه" الكبار مثل أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل ظهروا جميعا في العصر العباسي ، وفي الفترة التي استقرت فيها الحالة السياسية الاسلامية على مفهوم ومعنى الدولة.مصر الآن في مرحلة ما قبل الدولة الحديثة، صحيح أن فيها "انتخابات" ولكنها مزورة، وفيها "برلمان" ولكنه ملحق بمؤسسة الرئاسة، وفيها "قضاء" ولكن الدولة أحالته ـ كما يقول شيخ القضاة المستشار يحيي الرفاعي ـ إلى مؤسسة ملحقة بالجهاز الإداري للدولة ، وفيها قوى وتيارات سياسية ولكنها ضعيفة وفي حالة تشظي، وغير مؤهلة حتى الآن ـ كما يقول رفيق حبيب ـ للضغط على السلطة وفرض أجندتها عليها، بل إن بعضها يتواطأ مع النظام في صفقات سياسية وأمنية لقاء مكاسب لا تملك مفاتيحها إلا السلطة وحدها.ولذا فإن المطالب بتعديل الدستور أو تغييره في ظل هذا المناخ أثمرت مواد جديدة أسوأ من تلك التي كانت المعارضة تطالب بتعديلها.التجربة الأخيرة تقتضي أن تسمع زعامات المعارضة جيدا للمؤرخين والمثقفين والسياسيين الكبار ، الذين اختاروا لأنفسهم "التهميش" القسري بعيدا عن "مساخر" المشهد السياسي المصري الحالي وهزليته ، وهم معروفون بالاسم وبات التواصل معهم أمرا حتميا لتدارك الكوارث المقبلة ، عقب أن يبصم سيد قراره على مقترحات الرئيس بتعديل بعض مواد الدستور .

No comments: