رحم الله الرئيس السادات ..فرغم انه كان سياسيا عتيقا إلا انه اخطأ خطأ كبيرا حين تصور أن الديمقراطية و الحياة السياسية العفية تنشأ بقرار سيادى من أعلى السلطة ..لعله تعجل أو تصور أن المركزية التاريخية للسلطه فى وعى المصريين تجعلهم مختلفين عن غيرهم فى استيعاب الديمقراطية فتفرض عليهم بقرار جمهوري!! وكما اخطأ الرئيس الأسبق الخطأ التاريخي اللعين فى حرمان شعوب المنطقة كلها من التجربة الديمقراطية وفكرة تداول السلطة .. باعتبار الريادة المصرية فى ذلك الحين فكانت المشاهد الحالية فى طول وعرض العالم العربى .. اخطأ أيضا الرئيس السادات فى حق الديمقراطية كتجربة ممارسة مجتمعية و سلوكية فى البيت والمدرسة و الجامعة والشارع فكان المشهد الحالى فى أم الدنيا ..وكأن تعاسة الدنيا بأسرها وقعت فجأة فوق رأسها.
غاب عن الرئيس السادات أن الديمقراطية قرار اجتماعي داخلى يقوم به المجتمع كله لتطوير مسار حياته خطوة خطوة..وتتراكم التجربة وتتوغل وترسخ عبر السنين فتتكون لدى الناس من صغيرهم لكبيرهم ومن أعلاهم لأدناهم منظومة قيم متكاملة منسوجة من المبادئ الحقوقية و السياسية و الثقافية تقوم على احترام التعدد والتنوع ونبذ التسلط والاستبداد والتوافق على عقد اجتماعي سياسي تظلله الحرية والكرامة ...و تتفاعل من خلاله كل الأفكار وكل القدرات ..وتصبح الديمقراطية ألية لممارسة الحياة العامة فى كل صورها ومنهج عمل متكامل متبادل بين كل أطراف هذا العقد الاجتماعي السياسي
فمن دون قيم الحرية لا معنى للديمقراطية ومن دون الديمقراطية لا وجود للسياسة.. فقط مسرحه دون مسرح كما يقولون .. ومن دون سياسة لا وجود لتداول السلطة ومن دون تداول السلطة يصبح الحديث عن الديمقراطية هزلا سخيفا.. وتصبح فكره الدولة فى حد ذاتها مثار لغط شديد سواء من جهة شرعيتها أو من جهة هيبتها ..والأمر نفسه بالنسبة للأحزاب وفى الأحداث الأخيرة لحزب الوفد الجديد خير دليل على عمق الأزمة وبدائية التجربة
وكان طبيعيا أن تكون محصلة التجربة الحزبية الديمقراطية بأكملها فى مصر عبر اكثر من ثلاثين عاما تساوى صفرا كبيرا.. ويتحمل المسؤلية فى ذلك إلى جانب السلطة بطبيعة الحال من خاضوا التجربة أو عرض عليهم خوضها و رفضوا !!كان من الممكن أن يكون هناك تيارا ليبراليا قويا وتيارا يساريا قويا وتيارا إسلاميا قويا يملئون الحياة السياسية ثراء وقوة وتعدد إلا أن الارتباك والتردد والتشكك من الجميع أدى إلى ضياع ثلاثة عقود كاملة فى الأحلام المشردة والأماني الخائبة..
وكما قال شوقى : إن الشجاعة فى القلوب كثيرة*** ووجدت شجعان العقول قليلا
فشل اليمين الليبرالى فى وضع أساس تكويني داخلي متين ينظم الحياة الحزبية والسياسية عموما وقد كانت الشخصية الزعامية للمرحوم فؤاد سراج الدين مؤهلة تماما لأداء هذا الدور ... ومثل ذلك حدث فى اليسار الذى لم يستطع تطوير أفكاره فى إصراره العجيب على مفارقة ثقافة الأمة وهويتها وتاريخها ..وحين أدرك فداحة خطأه كان الوقت قد فات وهيهات لما حضر وفات .. ولعل الكثيرين لا يعلمون أن الرئيس السادات عرض على الإخوان المسلمين أن يكونوا حزبا سياسيا أو يشاركوا فى الحياة السياسية من خلال حزب لهم منفصلا عن جمعية الإخوان الدعويه الاجتماعية بوساطة قوية من المرحوم صالح أبو رقيق والمرحوم أبو وافيه إلا أن الفاعلين داخل الإخوان وقتها رفضوا الفكرة استنادا إلى الرأي التاريخي للأستاذ البنا فى الأحزاب والذى كان يعبر به عن أحزاب الثلاثينات والأربعينات والتى لم تقدم تجربة وطنية جيدة فى ذلك الحين ..وقد قال لى المستشار طارق البشرى انه نما إلى علمه أن الأستاذ البنا كان ينوى إسناد الملف السياسي إلى المرحوم فتحى رضوان من خلال تأسيس حزب يهتدي بأفكار ومبادئ الإخوان المسلمين .. وتتفرغ الجماعة كليه للعمل الدعوى والإصلاح الاجتماعي الشامل ....
ولم تفلح المجموعة التى كانت قريبة من الأستاذ البنا مثل الأستاذ فريد عبد الخالق والأستاذ صالح أبو رقيق والأستاذ صلاح شادى وغيرهم لم تفلح هذه المجموعة التاريخية فى التواصل المتين مع الأجيال الجديدة ويسكبوا فى وعيها تلك الخبرات التاريخية..وانشغل الأستاذ عمر التلمسانى رحمه الله بمصالحة النخب الاجتماعية و الثقافية ولملمة القاصى والنائي ولم يفطن جيل السبعينات لقواعد اللعبة .. وتأخر فى هدم أسوار التقيد والجمود ولم يستطع أن يستولد لذاته حضورا جديدا ولست اعرف فى تاريخ (الضرورات) اغرب من هذه الحكاية ...وبعد أن أتى الوقت الذى لا ينفع فيه بكاء ولا يغنى فيه دواء وعلى جسر من التشاؤم والتفاؤل دعونا نضع فى ثنايا الحاضر المنهار دعائم لزمان لم يأت بعد. helhamamy@hotmail.com
|
1 comment:
Thank you for your visit and comment,but if you know some words in Arabic,why don't you comment here in it,it will be better of course
It will please me when i see another comment from you here
:)
Post a Comment