Monday, January 08, 2007

التعديلات الدستورية: مخاطر التوريث والتزوير


بقلم ضياء رشوان
تحدثنا في المقال السابق يوم الاثنين الماضي عن أبرز التعارضات التي تحملها التعديلات المقترحة من رئيس الجمهورية لبعض مواد الدستور مع مواد أخري فيه، الأمر الذي ينذر بحالة خطيرة من التناقض فيما بينها إذا ما سارت تلك المقترحات في طريقها ووافق عليها مجلس الشعب الذي يهيمن الحزب الوطني علي أغلبيته الكافية لذلك. وهذه المرة نحاول معاً أن نقرأ جانباً آخر من التعديلات الدستورية المقترحة ربما يكون أكثر أهمية من سابقه، وهو المتعلق بالمخاطر الكبري التي تحملها علي النظام السياسي الذي سيقوم بموجبها في البلاد وعلي المجتمع كله وعلي مستقبل كل المصريين.
وفي هذا السياق يبدو أول المخاطر وأهمها ما حمله اقتراح تعديل المادتين ٨٢ و٨٤ والفقرة الأولي من المادة ٨٥ المتعلقة بحلول رئيس مجلس الوزراء محل رئيس الجمهورية في حالة قيام موانع مؤقتة أو دائمة تحول دون مباشرة اختصاصاته أو خلو المنصب من شاغله وذلك علي خلاف ما هو وارد حالياً بتولي نائب الرئيس تلك الاختصاصات في حالة الموانع المؤقتة ورئيس مجلس الشعب أو رئيس المحكمة الدستورية العليا في حالة العجز الدائم أو خلو المنصب. وقد سبق لنا في المقال السابق مناقشة ما يحمله ذلك التعديل مع مواد أخري مقترحة وقائمة في الدستور، إلا أننا هذه المرة نطرح ما يمثله من خطر سياسي داهم علي مستقبل البلاد.
فالصياغة التي قدمت لتبرير ذلك التعديل المزمع بدت ركيكة بصورة مقصودة، حيث إنها بعد إشارتها إلي الأحوال التي يتم فيها حلول أشخاص آخرين محل رئيس الجمهورية أضافت نصاً بأنه «قد لا يتيسر هذا الحلول من الناحية العملية في بعض الأحيان لسبب أو لآخر» لذلك فالرئيس يطالب في اقتراحه «بتعديل هذه المواد بما يسمح بحلول رئيس مجلس الوزراء عند تعذر حلول نائب رئيس الجمهورية في تلك الحالات دون أن يباشر من يحل محل الرئيس السلطات بالغة الأثر في الحياة السياسية كإقالة الحكومة وحل مجلس الشعب وطلب تعديل الدستور».
وتبدو الركاكة المقصودة في تلك الصياغة من زاوية أن الفقرة الأولي من المادة ٨٤ لم يأت فيها أي ذكر لنائب رئيس الجمهورية ويقتصر الحلول في منصب رئيس الجمهورية عند خلوه أو إصابته بعجز دائم علي رئيس مجلس الشعب أو رئيس المحكمة الدستورية العليا، بينما تم إقحام فكرة حلول رئيس الوزراء محل الرئيس في هاتين الحالتين المحددتين حصراً بالإشارة إلي الحالات جميعاً في سياق واحد. والواضح أن الهدف السياسي من ذلك التعديل الخطير هو فتح باب خلفي عبر نص دستوري يتيح لنجل الرئيس السيد جمال مبارك أن ينفذ منه لكي يتولي حكم البلاد عبر اختياره في مرحلة قادمة رئيساً لوزراء البلاد، ولماذا لا وهو المرشح لأن يكون الأمين العام للحزب الوطني صاحب الأغلبية في كل شيء في البلاد؟.
والأرجح أن الصياغة الركيكة المقصودة كان الهدف منها هو «جس نبض» أطراف عديدة في المجتمع السياسي وفي مقدمتها القلب الصلب للدولة المصرية للتعرف علي إمكانية تمرير ذلك النص - السيناريو وفي نفس الوقت الاستعداد للتراجع عنه فور ظهور ردود أفعال قوية رافضة، وهو ما يبدو أنه حدث بالفعل كما أظهرت تصريحات الأمين العام للحزب الوطني السيد صفوت الشريف بقوله إن المقصود بتعديل المادة ٨٤ هو فقط الحيلولة دون أن «يباشر من يحل محل الرئيس السلطات بالغة الأثر في الحياة السياسية».
أما الخطر الثاني للتعديلات الدستورية المقترحة فهو يتعلق بالمادة ٨٨ التي يطلب الرئيس في خطابه نصاً أن يتم تعديلها بما «يتيح لأعضاء من الهيئات القضائية الإشراف علي هذه العملية ويضمن إجراء الانتخابات في يوم واحد». والخطر واضح بدون أي غموض في تلك الكلمات، فهي لا تعني سوي إنهاء الإشراف القضائي الكامل علي جميع اللجان الانتخابية الفرعية كما قررته المحكمة الدستورية العليا وفق النص الحالي لنفس المادة والذي أفضي إلي انتخابات برلمانية أفضل عامي ٢٠٠٠ و٢٠٠٥ من كل سابقاتها بالرغم مما شابها من مخالفات فادحة وتدخلات معيبة.
ويتحجج قادة الحزب الوطني الحاكم بأن إشراف القضاء علي الانتخابات أمر لا مثيل له في دول العالم، وهو حق يراد به باطل، ففي تلك الدول يتوافر عديد من الأوضاع السياسية والمجتمعية التي تضمن نزاهة الانتخابات دون حاجة لإشراف قضائي، وهو الأمر الذي يشهد القاصي والداني بغيابه التام في مصر بفضل سياسات ذلك الحزب.
ويبدو أن الاتجاه بداخل الحزب وحكومته يتجه إلي تكرار نموذج اللجنة العليا المشرفة علي الانتخابات التي تضم «عناصر» قضائية الذي رأيناه مؤخراً في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية السابقة والتي يختارها بمفرده، وليس إلي لجنة مستقلة حقيقة وممثلة لجميع القوي والأحزاب السياسية في البلاد. إذاً، فوفقاً للتعديل المزمع فسوف تعود «ريما لعادتها القديمة» في «طبخ» الانتخابات وإخراج نتائجها بما يتفق فقط مع ما يريده الحزب وحكومته، ونقول وداعاً لأي مستقبل أو حتي ذكري للانتخابات الحرة النزيهة التي طال شوق المصريين إليها، أما باقي المخاطر فلنا حولها حديث آخر.

No comments: