ضياء رشوان يرصد مواقفها وفتاويها
تعددت ردود الأفعال العربية والإسلامية على إعدام الرئيس العراقى السابق صدام حسين بالطريقة والتوقيت اللذين تم بهما، فكانت أغلبيتها الساحقة رافضة لهما ومنددة بالمعانى المذهبية الخطيرة التى حملها المشهد برمته. وإذا كان المشهد الأخير للرئيس العراقى الراحل قد أكد لدى مؤيديه والمتعاطفين معه ومع الخط السياسى الذى يمثله ما كانوا يجدونه فيه من معان تتعلق بالصمود والتمسك وباستقلال بلاده ووحدة الأمة العربية ورفض كل أشكال الغزو أو التدخل الأجنبى فى شئونها، فإن الجديد حقيقة فى ردود الأفعال على مشهد الإعدام الدامى أتى من جانب عديد من الحركات الإسلامية على اختلاف تكويناتها الفكرية والسياسية والتنظيمية.فقد كان تقليدياً ومعروفاً قبل سنوات قليلة واستمراراً لسنوات أطول قبلها أن مختلف أنواع الحركات الإسلامية، من سياسية سلمية ودينية جهادية عنيفة وسلفية متشددة، كانت تجد فى الرئيس العراقى قائداً لأبرز أحزاب التيار القومى العربى الذى كانت- كل تلك الحركات- تعتبره عدواً صريحاً لها، سواء بسبب أيديولوجيته التى كانت تراها شعوبية معادية لعالمية الإسلام وشموليته أو بسبب تطبيقاته السياسية الواقعية الداخلية والخارجية التى كانت تعتقد أنها تمثل حرباً صريحة عاتية على الإسلام وممثليه من تلك الحركات. وظل هذا الموقف العام من الرئيس صدام وحزبه البعث وحكمه الطويل للعراق مسيطراً على الأغلبية الساحقة من تلك الحركات الإسلامية فى العالم العربى وخارجه، ولم يشذ عنه سوى استثناءات قليلة منها فى مواقف محددة كان أبرزها الحرب التى شنتها الولايات المتحدة على العراق مع حلفائها بعد غزو الكويت عام 1990 ثم ما وقع بعدها من حصار قاس على العراق وأخيراً الغزو الأمريكى - البريطانى للعراق واحتلاله قبل نحو أربعة أعوام. ولم يكن هذا الاستثناء من الحركات الإسلامية ليشمل سوى بعض الحركات السياسية السلمية منها خاصة المنتمية أو القريبة من جماعة الإخوان المسلمين فى العديد من البلدان العربية وفى مقدمتها الأردن واليمن ومصر. ولم يكن ذلك الاستثناء أيضاً يشمل إعادة نظر تلك الحركات القليلة فى مجمل تقويمها للرئيس العراقى الراحل وحزبه وتياره القومى وتفاصيل حكمه، بقدر ما كان مركزاً على تقويم إيجابى محدود لبعض مواقفه العملية خاصة مواجهته لكل من الولايات المتحدة وإسرائيل وإصراره على المقاومة المسلحة لكل منهما بطرق مختلفة.أما عن الموقف العام التقليدى لبقية الحركات الإسلامية خاصة الدينية الجهادية العنيفة والسلفية المتشددة من حكم الرئيس صدام وفكره وتياره السياسى، فقد كان شديد القسوة والعداء ووصل فى معظم الأحيان إلى حد تكفيره شخصياً وتجريم كل أفعاله الواقعية وتحريم انتساب كل أفكاره السياسية إلى الإسلام. وقد كان قطاع واسع من تلك النوعية من الحركات يعتقد لفترة طويلة أن الرئيس العراقى الراحل لم يكن فى حقيقته سوى عميل للولايات المتحدة الأمريكية ينفذ سياستها فى المنطقة بطريقة مختلفة عن عملائها الآخرين من الحكام العرب كما تراهم. إلا أن وقوع الغزو الأمريكى - البريطانى للعراق واحتلاله والإطاحة بحكم البعث ثم القبض على رئيسه الراحل، أدى إلى إرباك تلك الرؤية ودفع بتلك الحركات إلى القول بأن كل هذا إما أنه كان مشهداً تمثيلياً وسيتم فى نهايته الإفراج عن صدام حسين، وإما أنه سيتم إعدامه بعد أن انتهى دوره ك عميل نفذ دوره المحدد فى الاستراتيجية الأمريكية. وبالرغم من ذلك الموقف شبه العام لتلك النوعية من الرئيس صدام وحزبه وتياره وحكمه، فقد بدا واضحاً خلال السنوات التى قاربت الأربع الماضية منذ احتلال العراق واندلاع أعمال المقاومة المسلحة فيه ثم بدء المحاكمة العلنية له، أن ثمة تغييرات طفيفة راحت تطرأ على ذلك الموقف مثلتها بعض التعليقات والرسائل على بعض المنتديات والمواقع الإسلامية الجهادية حملت بعض التقويم الإيجابى له خاصة مواقفه العلنية ضد الأمريكيين وحلفائهم فى العراق والتدخلات الإيرانية فى الشأن العراقى الداخلى. على تلك الخلفية التاريخية والمعاصرة بدا مشهد وتوقيت إعدام الرئيس العراقى الراحل بمثابة نقطة التحول الفاصلة والكبيرة فى تلك المواقف التقليدية منه ومن حكمه وحزبه وتياره السياسى من جانب الغالبية العظمى من الحركات الإسلامية العربية سواء السلمية منها أو الجهادية العنيفة أو السلفية المتشددة. فقد تلى ذلك المشهد والتوقيت بكل تفاصيلهما التى باتت اليوم معروفة للجميع صدور ردود أفعال من تلك الحركات الإسلامية والمنتمين إليها مختلفة تماماً عن ذلك الموقف التقليدى باستثناءاته. فالحركات الإسلامية السياسية السلمية أصدرت فى غالبيتها بيانات إدانة لكل من المشهد والتوقيت والدلالات المتضمنة فيهما وأثنت بصور مباشرة وغير مباشرة على مواقف الرئيس العراقى الراحل الأخيرة قبل إعدامه وعلى صموده النادر أثناء الإعدام، وهكذا كان موقف حركة حماس الفلسطينية والتجمع اليمنى للإصلاح وجبهة العمل الإسلامى فى الأردن والجماعة الإسلامية المصرية وغيرها من تلك النوعية من الحركات. أما الحركات الجهادية العنيفة والسلفية المتشددة فهى لم تخرج بصورة رسمية بيانات حول الإعدام أو الرئيس الراحل، بينما امتلأت المواقع والمنتديات التابعة والمؤيدة لها بتعليقات ورسائل من مرتاديها الدائمين حملت أغلبيتها تقويماً شديد الاختلاف للرئيس صدام حسين عن تقويماتهم السابقة. فقد تحول الرجل فى تلك التقويمات الجديدة إلى شهيد أحياناً وإلى مغمور برحمة الله فى أحيان أخرى وإلى قائد بطل فى أحيان ثالثة وإلى رجل مات على الإسلام وإن يصعب الحكم بشهادته فى أحيان رابعة، بينما بقيت أقلية من التقويمات محتفظة برأيها القديم فى عدائه وحكمه وحزبه وتياره للإسلام بل وخروجه منه. ولم يقف الأمر عند ذلك فقد ألف بعض مرتادى تلك المنتديات والمواقع قصائد شعرية فى مديح صدام حسين وصموده ومناقبه وكتب بعضهم الآخر مقالات متفاوتة تناولت نفس المعانى، فى حين بادر الباقون بوضع مقاطع مشهد الإعدام مع تعليقاتهم الإيجابية على سلوك الرئيس الراحل وثنائه مئات المرات على تلك المواقع والمنتديات. وعلى صعيد الفتاوى بشأن الحكم على الرئيس العراقى بعد ذلك المشهد، فقد ذهب بعضها مثل فتوى الجهادى السورى عبدالمنعم مصطفى حليمة المكنى باسم أبو بصير الطرطوسي وفتوى الشيخ الكويتى حامد بن عبدالله العلى، إلى القول بحسن ختام حياته وصحة إسلامه إلى حد الاقتراب من وصفه بالشهيد.أما الفتاوى الأخرى التى لم تذهب هذا المذهب، على قلتها، فإن الأكثر عداءً منها للرئيس الراحل طالبت بالتوقف فى الحكم عليه وعدم وصفه بالشهيد أو المؤمن ولا بالفاسق أو الكافر وترك هذا الحكم لله سبحانه وتعالى. وفى كل الأحوال فإن القسم الأكبر من الفتاوى على اختلافها فى الحكم على شخص الرئيس صدام وتوافقها العام فى الرؤية الإيجابية له، قد اتفق على حكم خروج حزب البعث بإطاره الفكرى والسياسى التقليدى القديم عن صحيح الإسلام كما يظن مصدرو تلك الفتاوى.والسؤال المباشر الذى يطرح نفسه بعد ذلك الاستعراض العام لتغيير المواقف الإسلامية من الرئيس العراقى الراحل يتعلق بالأسباب التى كمنت وراءه. والحقيقة أن جزءاً مهماً من تلك الأسباب قد أتى فى صميم البيانات والرسائل والفتاوى التى حملت ذلك التغيير. ويمكن إدراج تلك الأسباب ضمن عدة مجموعات رئيسية: الأولى منها تتعلق بدوره ونيته وإعداده لمواجهة الدولة اليهودية، والذى رأت معظم تلك الآراء أنه كان جاداً فيها. وترتبط المجموعة الثانية بالمواجهة الطويلة الدامية التى خاضها الرئيس العراقى الراحل ضد الولايات المتحدة الأمريكية منذ عام 1990 والتى رأى الإسلاميون فيها دفاعاً عن ديار الإسلام وشعوبه. وارتبطت المجموعة الثالثة بالتوجه الإسلامى الذى تبناه الرئيس الراحل أثناء سنوات حكمه الأخيرة وانعكس فى كثير من السياسات والإجراءات الداخلية التى قام بها والتى رأى فيها من غيروا رأيهم فيه بعد إعدامه أنها كانت تصحيحاً لمسار حزبه وحكمه السابقين باتجاه الإسلام الحقيقى. أما المجموعة الرابعة من الأسباب فارتبطت بالمشهد الأخير لإعدام صدام وما احتواه وسبقه من وقائع ودلالات مذهبية شيعية تجاه أبناء المذهب السنى فى العراق، حيث ربط الإسلاميون بينها وبين الحرب الدامية التى خاضها العراق تحت قيادته ضد إيران التى يعتبرونها الراعى الرئيسى للطوائف الشيعية المعادية -حسب رأيهم- للطائفة السنية فى كل مكان من العالم. وترتبط المجموعة الخامسة من الأسباب بسلوك الرئيس الراحل أمام هيبة الموت وجلاله وإمساكه بالقرآن الكريم حتى آخر لحظة ونطقه بالشهادتين قبيل إعدامه وما سبق ذلك من مظاهر مماثلة لتدينه بدت واضحة فى جلسات محاكمته وما نقل عنه من رسائل وتصريحات، بحيث رأى معظم الإسلاميين فى ذلك رجوعاً للحق وقبولاً من الله له بما وضح من تثبيته له فى موقف الموت الجلل، وبجانب تلك المجموعات الأربع من الأسباب التى كمنت وراء ذلك التغيير الإسلامى فى تقويم الرئيس الراحل صدام حسين كما بدت فى بياناتهم ورسائلهم وفتاواهم، فالمرجح أن سبباً سادساً إضافيا لم يرد ذكره فيها، وإن تمثل واقعياً فى العراق بعد الاحتلال، لعب دوراً رئيسياً فى هذا التحول ويتمثل فى المقاومة المسلحة الشرسة التى تبنتها الفصائل والمجموعات العراقية ذات الأصل البعثى للاحتلال والمتعاونين معه وحملها شعارات إسلامية وقومية معاً، وهو الأمر الذى جعلها قريبة فى الميدان من المجموعات والفصائل الإسلامية التى تقوم بنفس الدور الوطنى المقاوم.
No comments:
Post a Comment