Tuesday, January 09, 2007

حوار مع عمرو الشبكي ( النظام بلا عقـل) ه


كتب : مــاهـر حســن

فى كتابه إسلاميون وديمقراطيون الذى حرره الدكتور عمرو الشوبكى وضم مجموعة من الأبحاث، طرح عمرو الشوبكى إشكاليات بناء تيار إسلامى ديمقراطى وناقش التحولات التى شهدها خطاب التيار الإسلامى وقدم الكتاب طرحا بحثيا متكامل لهذا التيار وعلاقته بالأنظمة المتعاقبة والتحولات الاجتماعية ويعد كتابا مرجعيا للحركات الإسلامية هذا غير ست كتب متعلقة بهذا الشأن، والدكتور عمرو الشوبكى خريج كلية الاقتصاد والعلوم السياسية عام 1984 من جامعة القاهرة. وهو حاصل على الماجستير عام 1993 من جامعة السوربون، عن قراءة فى أعمال المستشرقين الفرنسيين الجدد حول الحركات الإسلامية، كما حصل من السوربون أيضا على الدكتوراه عن إمكانيات دمج الإخوان المسلمين فى عملية الإصلاح الديمقراطى وللدكتور عمرو الشوبكى ستة كتب فى مجال النظم السياسية والحركات الإسلامية بعضها بالمشاركة والتقديم هذا فضلا عن عشرات المقالات المنشورة باللغتين الفرنسية والعربية، وهو أحد الموقعين فى حركة كفاية وخبير فى النظم السياسية فى مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية طبع إسلاميون وديمقراطيون ثلاث طبعات وحقق جدلا واسعا وكتابه عن أزمة النقابات المهنية وآخر عن الأحزاب السياسية فى مصر، وثالث عن الإخوان المسلمين بالفرنسية والدكتور الشوبكى يعول على مستقبل أفضل للإخوان فى سياق نظام ديمقراطى حقيقى
وكان لنا هذا الحوار الذى تضمن جملة من المراجعات للراهن المصرى والعربى وللحركات الإسلامية فى العالم الإسلامى والعربى وإلى نص الحوار:
- نود أولاً أن نقف على دلالات ظاهرة المد الذى شهدناه فى العقد الأخير للحركات الإسلامية على مستوى العالم العربى من الجزائر إلى فلسطين إلى اليمن إلى مصر هل هذا دلالة عجز الأنظمةالعربية فى التواصل مع شعوبها.
-- أعتقد أن هذا الصعود حقيقى ولقد أصبح ظاهرة واسعة النطاق على امتداد العالم العربى وفى أكثر من بلد عربى وإسلامى، وطبيعة خطاب هذه الحركات مختلف من بلد إلى آخر غير أن هناك قواسم مشتركة فيما بينها، ولكن لا يمكن القول إن حزب العدالة والتنمية الذى يحكم فى تركيا هو شبيه الإخوان فى مصر أو حزب الإصلاح فى اليمن أو التجمع السنى فى الجزائر أو الحركةالإسلامية فى السودان فهناك درجة من التنوع لكن لابد أن نحدد فى البداية طريقة تعاملنا مع هذه الظاهرة الإسلامية وأتصور أن هناك مدرستين أساسيتين لا يجوز تصنيفهما على أن إحداهما غربية والثانية عربية وإنما هما مدرستان عابرتان للثقافات وستجد أن لهما أنصارا فى العالم العربى والغرب. المدرسة الأولى هى التى ترى أنه لا توجد أسباب هيكلية فى بنية هذه التيارات تحول دون الاندماج فى عملية التطور، أى لا توجد عيوب جينية أو خلقية، وهذا لا يحول دون تحويلها لبنية مدنية تحترم الديمقراطية والحقوق المدنية أما المدرسة الثانية فتتمثل فى رموز التيار العلمانى فى مصر وبعض الماركسيين القدامى والكثير من باحثى الغرب يرون أن هناك خطرا على الديمقراطية من وصول هذه التيارات الإسلامية ولكنى أميل إلى المدرسة الأولى وبالتالى حين أقيم صعود الظواهر والحركات الإسلامية فى العالم العربى والإسلامى فإننى أميل للتمييز فى ضوء السياق السياسى المحيط لا على ضوء الخطاب أو النص فإذا كان هناك فى هذا السياق ديمقراطية وأعطى للإسلاميين براحا من الوقت ليتعلموا الممارسة الديمقراطية وقواعدها وشروطها وقيمتها وثقافتها فإننا لا نجد خطرا من هذا الوصول، وهنا التمييز واضح جداً بين القوى الإسلامية التى وصلت إلى الحكم عن طريق انقلاب أو التحالف مع الانقلاب مثلما الحال فى السودان، فإنك تجد النتيجة سلبية أو القوى الإسلامية التى وصلت إلى الحكم عن طريق ممارسة ديمقراطية مثل حزب الرفاة عام 1995، أو العدالة والتنمية فى تركيا حاليا المرتبط بالإسلام الثقافى أو الثقافة الإسلامية فهو يتحدث عن مشروع إسلامى سياسى مرتبط بالثقافة الإسلامية أو تجربة العدالة والتنمية فى المغرب. أعنى بالنماذج التى دخلت المعادلة السياسية من خلال ممارسة ديمقراطية هنا لا نجد خطرا لا على النظام السياسى ولا على فكرة تداول السلطة.
- لنحقق قفزة على التجربة الإسلامية فى مصر حيث الإخوان المسلمين، ولنقيم تطور الإخوان من المؤسس حسن البنا حتى اليوم إلى أى حد تطورت الجماعة خاصة وأنها دخلت السياق الذى تتحدث أنت عنه حيث الممارسة السياسية منذ حرب فلسطين ومروراً بترشيح حسن البنا نفسه فى الانتخابات البرلمانية وانتهاء بالصعود الإخوانى الأخير، نريد أن نقدم نقداً للأفكار والخطاب والممارسة ولا ننسى أن هذه الجماعة مازال النظام يصمها بالجماعة المحظورة؟
-- فيما يتعلق بتطور تنظيم الإخوان منذ تأسيس جماعتهم عام 1928م فإننى أميز بين ثلاث مراحل فى خبرتهم المرحلة الأولى تندرج تحت ما يمكن تسميته بالإخوان المؤسسين، حيث حسن البنا وإخوانه وهى المرحلة الواقعة من عام التأسيس وحتى اندلاع حرب فلسطين وهذه الفترة فى تصورى غلب عليها الطابع الدعوى أى الجماعة الدعوية ذات الطابع الاجتماعى التى تتحدث فى السياسة لكنها، ليست جماعة سياسية بالدرجة الأولى وقد نجحوا فى تحقيق الانتشار الأفقى الواسع فى المجتمع المصرى، وفى المؤتمر الخامس الذى عقد عام 1938 كان عدد الإخوان قد تجاوز المليون لكن المفارقة أن الوزن السياسى للجماعة لم يكن بحجم وزنها الدينى والدعوى، رغم خوضهم الانتخابات البرلمانية مرتين،، لكن لم يكن لهم نائب واحد فى البرلمان طيلة الفترة الواقعة بين عام 1928 إلى 1984م وهذا سببه أن حزب الوفد أعنى المشروع الوفدى الليبرالي كان يشغل كل الحيز السياسى رغم وجود قوى سياسية أخرى مما خلق مناخا مفعما بالحيوية السياسية وهذا أكد أكثر على انحسار طبيعة جماعة الإخوان على الطابع الدعوى ولم تكن لدى الإخوان فى هذه الفترة خبرة سياسية وليس فيها حنكة سياسية حيث ارتكبوا أخطاء متعلقة بالتحالفات فقد تحالفوا مع إسماعيل صدقى فى حين كان لا يجب التحالف معه، ثم عادوا وراهنوا على الملك وهكذا، ولكن بقى جوهر المساحة التى حقق فيها الإخوان نجاحاً عددياً، وكانت همومهم منحصرة أيضا فى التركيز على الداخل ومواجهة تيارات التغريب وإحياء تراث وثقافة الأمة، وقد لاقى هذا الخطاب ترحيبا من قطاعات كثيرة من المصريين أى أنهم ارتكزوا على ثوابت الأمة، أما فى المجال السياسى، فكانوا متأخرين وارجع إلى مذكرات حسن البنا لتقف على هذه الفلسفة أما ما يتعلق بالرؤى والتكتيكات السياسية، فنجدهم بعيدين عنها.
- ولكن هناك مشاركة سياسية للإخوان ظهرت مع أحداث حرب 1948م؟
-- هذه هى نقطة البداية للمرحلة الثانية، وقد امتدت إلى أوائل السبعينيات وهى مرحلة إخوان الجمود والعزلة، التى برز فيها خطاب التنظيم الخاص، رغم أنه لم يكن يمثل أغلبية فى صفوف الإخوان فهم فى الأساس يتبنون خطاب الجماعة الدعوية وليس خطاب جماعة عنيفة وجزء من سحر الفكرة الإخوانية أنها قائمة على دعوة الناس أى الأسلمة من أسفل، أى أنك تدعو 09% من المواطنين للالتزام بتعاليم الإسلام، حيث سيتغير المجتمع من تلقاء نفسه دون الحاجة إلى ثورة أو ديمقراطية وهذا كان سائداً طول الثلاثينيات والأربعينيات حتى أنهم كانوا يرفضون تعبير الثورة، وكان التنظيم الخاص هو الذى يهيئ أعضاءه للحظة قد تستدعى العنف، لكنه لم يكن قائما على فكرة التكفير إطلاقاً.. إلا مع سيد قطب فى معالم فى الطريق وهذه مرحلة متأخرة فلما قامت حرب فلسطين وشارك التنظيم الخاص فيها بشكل ظاهر عاد بعده الإخوان إلى الداخل بممارسة العنف ووقعت المواجهات الداخلية، وتصاعدت حركة الاغتيالات التى كان النقراشى أحد ضحاياها وأحمد الخازندار ودخل الإخوان فى المواجهة وكان البنا رافضا لهذه التوجهات وأصدر بيانه الشهير ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين لكن فى هذه الفترة حل النقراشى الجماعة قبل مقتله، وصولاً إلى محاولة اغتيال عبدالناصر.
- بعض المؤرخين يقولون إن محاولة اغتيال عبدالناصر عام 1954 من قبل الإخوان ليست قصة حقيقية وأن النظام الحاكم فى عهد عبدالناصر اختلقها للثأر من الإخوان وتصفية قياداتهم؟
-- ليس صحيحاً وقيام الإخوان بمحاولة اغتيال عبدالناصر مؤكدة وصحيحة، رغم أنه لم يكن هناك قرار من مكتب الإرشاد بها فهى كانت محاولة من عناصر فردية تنتمى للإخوان، لاغتيال عبدالناصر دون أن يكون هناك قرار من مكتب الإرشاد، فى عهد الهضيبى، وكان هذا امتداداً لفلسفة الاغتيالات التى كانت سائدة قبل ثورة يوليو وبعد ذلك وتم التعامل مع الإخوان بقسوة من نظام ثورة يوليو، ووجه الإخوان بشدة مما أدى إلى انعزالهم وانحسارهم طيلة هذه الفترة وخرج كتاب سيد قطب معالم فى الطريق الذى يمثل تحولاً أو انحرافاً حقيقيا فى فكر الإخوان والذى ينطوى على تكفير النظام القائم والذى اشتغلت عليه الجماعات الإسلامية بعد ذلك بكل أطيافها، وتم استبعاد الإخوان من ساحة العمل المستقل وتم عزلهم وحتى هم لم يواصلوا نشاطهم الدعوى والاجتماعى والدينى إلى بداية عصر السادات.
- يعتبر الكثير من المحللين أن عهد السادات كان بوابة الخروج الجديدة للإخوان وبعث لنشاطهم السياسى، وأنها كانت فترة شهر عسل مع النظام، وأن الفضل يعود للسادات فى إخراجهم من قمقم الكمون الطويل للاستقواء بهم على قوى اليسار التى كانت مؤثرة فى ذلك الوقت؟
-- نعم وهذه هى المرحلة الثالثة فى نقد المنحنى البيانى للإخوان فقد أخرجهم السادات من السجون وتصالح معهم، فى محاولة، لضرب اليسار وامتد هذا التصالح طوال السبعينيات لكن الإخوان فى هذه الفترة لم يخترقوا الشارع، ولم يتواصلوا معه وظلوا فى عزلتهم، باستثناء الجامعات، حتى ان أحداث 18، 19 يناير لم يشاركوا فيها، كما تميز خطابهم فى مجلتهم الدعوة بالانغلاق وغياب الحس السياسى حتى بداية الثمانينيات.
- عاد الإخوان للخصومة والقطيعة مع النظام، والمدهش أنهم بدأوا هذه الخصومة مع السادات فى أواخر عهده مع ضخ الجامعات المصرية لعناصر شابة عاشت فترة غليان سياسى ومد إسلامى فى الجامعات فعلى أى نحو كان حضور الإخوان؟ وهل نعتبر هذه الفترة فترة ميلاد للنشاط السياسى للإخوان؟
-- هذه هى المرحلة التاريخية الثالثة فى تاريخ جماعة الإخوان، وبدا ما تقوله صحيحاً وواضحا مع انتخابات 1984 فقد كانت أشبه بفترة البحث عن عنفوان سياسى للجماعة، وبداية عصر جديد ودخول جيل جديد إلى التنظيم تماما كما أشرت أنت وهو جيل خصومة مع السادات وليس عبدالناصر، لأنه جيل تشكل وعيه فى عهد السادات لكن الجيل القديم المتمثل فى عمر التلمسانى فقد كان لديه ما يشبه العرفان بالجميل للسادات وكانت عناصر من الأجيال الشابة قد اعتقلها السادات فى نهاية عهده، مثل عصام العريان وعبدالمنعم أبوالفتوح وحلمى الجزار وغيرهم والذين لم يكن لهم ثأر تاريخى مع عبدالناصر، وكانت خصومتهم مع السادات، وطوال هذه الفترة بدأ الإخوان فى التحالفات الجديدة وعلى رأسها التحالف مع حزب سياسى علمانى هو حزب الوفد فى انتخابات 1984 وأسسوا التحالف الإسلامى، مع حزب العمل وحزب الأحرار وحصلوا على 36 مقعداً من ستين مقعدا وفى انتخابات 2000 شغلوا سبعة عشر مقعدا فى البرلمان.
- وفى انتخابات 2005 حصلوا على 88 مقعداً برلمانياً، فهل يمثل هذا صعوداً بيانيا دالا على قوة عودتهم، أو على نضجهم السياسى، أو يؤكد على أن هذه الجماعة المحظورة بفضل الأجيال الشابة فيها يؤكدون على ضرورة وجود دور سياسى للجماعة وأنها جماعة سياسية هل هذه مناورة لجماعة براجماتية؟
-- هو تحول أكثر منه مناورة، أما عن كونها جماعة براجماتية فهى مثل أى جماعة سياسية أو دينية أخرى، لابد أن تدخل لعبة المصالح المشتركة بحثا عن بقاء واستمرار ودور وأنا شخصياً أرى أنهم ليسو مناورين أكثر من الآخرين ولا أقل، لكننا نبالغ فى نقدهم حينما يتحدثون عن أنفسهم وكأنهم ملائكة، لكن حينما يتحدثون عن أنفسهم باعتبارهم سياسيين مثل الآخرين فإننى لا أراهم يناورون أكثر ولا أقل من الآخرين، هى حركة سياسية تمارس تكتيكات سياسية مفهومة، وبهذا المعنى فهم فى انتخابات 2005، أعادوا تنظيمهم بشكل جيد واشتغلوا من فترة 2000 الى 2005 لإدخال آلاف الناس للحصول على بطاقات انتخابية وكانوا يسجلون قوائم بهم وكانوا يعتبرون هذا انتصارا للدعوة، خاصة وأنهم يرون أنهم يفعلون هذا لغرض دينى أيضا وليس لغرض سياسى فقط، باعتبار التصويت لصالح الإخوان عملا ستجازى عليه خيرا فى الدنيا والآخرة ولقد نجحوا فى تحقيق هذا التزاوج فى دعوة الناس ونجحوا- رغم إنكار البعض - فى إسباغ الطابع السياسى على الجماعة باعتبارها فاعلة سياسياً، واجتماعياً ودينياً.
- كان من الممكن أن يحصلوا على المزيد من المقاعد؟ ونريد أن نقف على أسباب ارتفاع مؤشر المكاسب من 17 مقعدا فى عام 2000 إلى 88 مقعدا فى 2005؟
-- نعم لكن التربة لم تكن معدة بشكل جيد، فلقد واجهوا الفراغ والبلطجة وعشوائية الحزب الوطنى وفوضويته، وانهيار أحزاب المعارضة، وهذا المناخ -فى نفس الوقت ومن قبيل المفارقة- وراء تحقيقهم هذه النسبة وما حصلوا عليه من مقاعد فيه جزء يستحقونه نتيجة أعمالهم التنظيمية وجزء أهداه لهم الحزب الوطنى لأنه لأول مرة فى تاريخ مصر، يواجه الإخوان نظاما بلا مشروع سياسى، منذ الثلاثينيات.
- ولكن النظام الذى يفتقد المشروع ويعيش عشوائية وتخبطاً سياسياً لمن شأنه أن يؤثر بالسلب مثلما أثر بالإيجاب على الحضور السياسى للإخوان.
-- نعم فالنظام الذى ينجح بالأمن والإدارة لا يساعد على تطور الإخوان. وكون إنك تجيب بلطجية تدخلهم جامعة عين شمس، فيقوم الإخوان بجلب ميليشيات فى الأزهر، ليقوموا باستعراض قوى مواجه، فهذه كارثة، لكن لو أن النظام يقدم كوادر سياسية مؤمنة بما يسمى بخط الحزب الوطنى وتوجهاته مثلما كان هناك قديما ما يعرف باسم منظمات الشباب المرتبطة بفترة وتوجه عبدالناصر ومرتبطة بأفكار وطنية وقومية، لكن لأول مرة نجد النظام يعيش مرحلة فراغ كامل، تغيب عنه الأفكار المهمة، فلا توجد فكرة واحدة، يقدمها الحزب الوطنى للنظام القائم فتكون النتيجة أن النظام يعتمد إما على البلطجية أو جهاز الأمن أو الشطب أو منع الناس، لأن النظام ليس لديه مشروع سياسى، وبالتالى فإن هذا يؤثر بالسلب مثلما يؤثر بالإيجاب على الإخوان المسلمين، ولو كان للنظام مشروع سياسى لفرض على الآخر تطوير خطابه ليكون نداً للخطاب الرسمى، لكن البلطجة فى غياب المشروع ستقابلها ميليشيا وأنا مع مواجهة الإخوان سياسياً، وأن نناقش برنامجهم، نحاسبهم سياسيا من حيث الإعلام والسياسة والتعليم والسياحة لكن النظام ليس حريصا على مواجهة الإخوان بالسياسة وبالتالى وصلنا إلى هذا المشهد، بل وصل الإخوان للمزيد من المقاعد نتيجة للفراغ السياسى والحزبى وغياب مشروع سياسى ملهم بل ومن دلائل الخلل فى سياسة هذا النظام أن يصف الإخوان كجماعة محظورة ومع ذلك فإنها تدخل المنافسة السياسية وتحصل على معدل أعلى مما حصلت عليه عام 2000م. بل وعلى عشرة أضعاف ما حصلت عليه الأحزاب السياسية المعارضة الثلاثة المشروعة وهى أحزاب قانونية ألا ينطوى هذا على مفارقة كبرى تقول إننا نعيش أزمة شرعية؟!!
- هل هذا خلل حزبى أم أزمة شرعية؟
-- بل هى أزمة شرعية ولو لم تكن هناك أزمة، ولو لم يكن الحصول على الشرعية عبئا على القوى السياسية، ولو لم يلاحق هذا النظام الأحزاب المشروعة، ويسلبها امتيازاتها الدستورية ويحاصرها بكل أجهزة الدولة لتغير الحال وربما من مزايا وأسباب تواصل كفاية وأيضا الإخوان أنهم لم يدخلوا حلبة الشرعية مع نظام يمنع ويمنع وهذا حماهم من تدخلات النظام، وانهيار أحزاب المعارضة أو عدم فاعليتها انعكاس لانهيار نظام وفاعليته ودلالة على أزمة يعيشها النظام ولو كانت جماعة الإخوان مشروعة لحصلت على أصوات أقل، وبالتالى فأنا مع فكرة قيام حزب سياسى للإخوان لكن ليس فى السياق الحالى لأنه سيصبح شيئاً مضافاً للأحزاب الأخرى لأنه سيصبح رقما بين الأرقام نفس الكمون والخمول والاختراقات.
- ما الفوارق الجوهرية بين التجربة التركية النوستالجية وبين الإخوان هنا يبدو أن التجربة التركية كدولة قائمة على مرجعية إسلامية نموذجا مغريا وأحد النماذج التى يدلل بها الإخوان؟ ما الفارق بين التجربتين؟
-- هناك أوجه شبه بين تجربة حزب الرفاة الذى تحول إلى حزب السعادة بقيادة نجم الدين أربكان والتجربة الإخوانية لكن لا يوجد تشابه بين تجربة العدالة والتنمية الذى يحكم تركيا الآن وتجربة الإخوان المسلمين فى صيغتهم الحالية وكما قلت إن الإخوان لو تحولوا فى ظل نظام ديمقراطى إلى حزب سياسى مدنى أكيد سيحققون تطوراً وسيقتربون من النموذج التركى دون أن يتماهوا معه تماماً وستظل هناك فروقات بفضل اختلاف السياق، فضلا عن عوامل أخرى من بينها أن تركيا تتطلع أن تكون جزءا من الاتحاد الأوروبى وهذا يفرض عليها التزامات، وبناء نظام سياسى مختلف تماماً عن التجربة المصرية فهى لا نظام ولا شعب يتطلع لأن يكون جزءاً من النظام الأوروبى لأن هذا ليس مطروحاً بالتاريخ والجغرافيا معاً.
- وماذا عن القاعدة الدستورية فى مصر التى تقول بأن الإسلام هو الدين الرسمى للدولة ألا تصلح لأن تكون قاعدة لتحقيق توافق بين ما هو إسلامى وما هو علمانى دستورى؟
-- الدستور المصرى، والتوافق الاجتماعى والسياسى المصرى، مازال يتمحور حول الإسلام، كدين منفتح حضارى ووسطى ومعتدل، أما الدستور التركى فهو شديد العلمانية، يفرض على أى قوى سياسية تمارس العمل السياسى حتى لو كانت ذات أصول ومرجعيات إسلامية أن تتعلمن وأن يكون خطابها علمانيا بالمعنى الأوروبى فالعدالة والتنمية مثلا يدافع عن العلمانية الأوروبية، ويتحفظ على العلمانية الكمالية نسبة لمصطفى كمال أتاتورك باعتبارها شديدة التطرف والقسوة هناك فارق ثالث هو أن التجربة التركية منذ البداية هى حركات سياسية ميلادها سياسى مثل تجربة الوسط فى مصر، يعنى بالأساس هناك مشروع سياسى بمرجعية إسلامية، التى نجدها مختلفة بين حزب المعارضة السعادة لنجم الدين أربكان وبين نظيره العدالة والتنمية.
- وماذا عن فروق التوصيف فى مصر؟
-- فى مصر هناك مشكلة تداخل بين الجماعة الدينية والجماعةا لسياسية وهذه جميعها فروقات بين الاثنين لكن الشيء ذا الدلالة الذى يمكن الاستفادة منه أى من التجربة التركية أنه لم تعد هناك أشياء ساكنة، و الرفاة حينما وصل عام 1995 بمشروع إسلامى قريب من مشروع الإخوان المسلمين فشل فى تطبيقه فى الواقع التركى فخسر الانتخابات وأدى بقطاعات من داخل حزب الرفاه أن تنشق وتؤسس حزب العدالة والتنمية وهو حزب يناضل أكثر من العلمانيين المحافظين فى تركيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبى وهو أكثر انفتاحا من غيره فى تركيا على الاتحاد الأوروبى، كما أنه أجرى إصلاحات سياسية وديمقراطية وأكثر أوروبية من التيار العلمانى فى تركيا ودلالة هذا كما قلت إنه لم يعد هناك شيء ساكن وأن الحركة الإسلامية قابلة مثل أى تيار للتحول والتواوم، وما حدث فى تركيا هو محاولة للتكيف من حزب العدالة والتنمية على الواقع التركى، وحزب العدالة لم يتمرد على الشروط التى تخضع لها تركيا بحجم وجودها فى سياق إقليمى وبخصوصيتها الحضارية والجغرافية والثقافية وتحالفاتها الأطلسية، بل إن هذا الحزب وصلت تكيفاته إلى السعى للدخول فى المنظومة العالمية والإخوان فى مصر مازالوا خارج المنظومة العالمية، ويرغبون فى بناء نموذج إسلامى منافس إن لم نقل مناهض للمشروع العربى والمنظومة العربية.
- كيف ترى مستقبل النظام الحالى فى مصر هل سيظل على هذه الوتيرة دون تغير بمعنى أنه نظام كلامى، ونظرى وديمقراطية كلامية لا تطبيقية؟ هل سيكون المستقبل لصالح هذا النظام؟
-- لن يكون المستقبل لصالح الأنظمة الحالية، وإنما سيكون لصالح الديمقراطية، ولا يمكن أن تستمر الحالة المصرية الراهنة إلى ما لانهاية أو لفترة طويلة، فى ظل هذه النظم المعدومة الكفاءة والمحدودة الإمكانات والمنعدمة الخيال وبلا سياسيين، ونظم فارغة، وطول عمرنا واحنا بنقول الثلاث دول الإسلامية والعربية الكبار فى المنطقة مصر وإيران وتركيا وبلا كلام وتفصيلات كثيرة عليك أن تشخص الحالة التى عليها مصر الآن بمقارنتها بتركيا وإيران، رغم خيارات هاتين الدولتين عن الخيارات الدولية، فتركيا الأطلسية والحليفة لأمريكا، وإيران الواقعة فى خصومة مع أمريكا وسنجد أن كلا منهما لديه نظام سياسى ودعك من الغطاء الأيدلوجى حيث تركيا العلمانية وإيران الإسلامية - لكن كل منهما لديه نظام سياسى ناضج نظام سياسى يتسم بالكفاءة ويؤمن بتداول السلطة، وغير شمولى وأذلى ورئيس دولة لمدتين فقط ومنتخب بشكل حقيقى، والبرلمان لديهما لا يعرف التزوير على الطريقة المصرية، ولا البلطجة الانتخابية رغم أن لديهما فلترا ويضطر أحيانا لاستبعاد البعض، لكن الانتخابات شفافة وديمقراطية، وأسوأ حالة هى الحالة المصرية، وبالتالى فإننا لم نتطور ولم ننجح فى أن نكون حلفاء لأمريكا ولا استطعنا أن ندخل فى خصومة مع أمريكا.. ونظن أننا معتدلون فى سياستنا الخارجية وأنا لا أحاسب معارضة ولا إخوانا على خطابهم فى اللحظة الراهنة فهو خطاب أزمة فى ظل نظام مأزوم وواقع سياسى مأزوم، وإذا كنا إزاء نظام سياسى كفء لاستطاع أن يخرج من الإخوان أفضل من فيهم و لاستطاع - رغم مرجعيتهم الدينية - أن يفرض عليهم خطاباً مدنياً كأن يحترموون حقوق الإنسان، ويؤمنون بالممارسة الديمقراطية ويحترمون الدستور المدنى والنظام الجمهورى ودولة المواطنة، وليس لدينا مانع فى أن يصلوا للسلطة فى ظل وجود دولة مؤسسات حقيقية وقضاء مستقل وسلطة تشريعية ومجالس محلية وهيبة لدولة القانون لكننا نعيش نظاما منهارا أتى على المشروع الضخم الذى بناه محمد على من مائتى عام.
- السمكة تفسد من رأسها ونحن إزاء منظومة مترهلة وقد شاخت فنحن فى ظل قيادة معدومة الخبرة سياسياً كيف تقيم
عصر مبارك الذى يحكمنا منذ خمس وعشرين سنة ولك مطلق الحرية فى ألا تجيب عن السؤال؟
-- لا سأجيب مفيش مشكلة وأنا أتفق معك إننا إزاء رئيس بلا خبرة سياسية حتى قبل وصوله للحكم على خلاف الرئيسين عبدالناصر والسادات وأتصور أن شكل مصر كان بالإمكان أن يتغير تماماً خاصة إذا لم يكن السادات عدل المادة 77 وبقى هناك وتوافق النخبة على احترامها بحيث يظل الرئيس فى الحكم لمدتين غير قابلتين للتجديد، فمعنى هذا أنه كان بالإمكان فى الانتخابات الماضية أن نرى رئيساً آخر وليكن حتى من داخل النظام، ولكان شكل الحياة والأداء العام قد تغير كثيرا وسواء بقى الرئيس مبارك أو غيره من الرؤساء طيلة ربع القرن فى الحكم فإن هذا يستتبعه أعراض كثيرة سلبية حتى لو كان ذلك الرئيس عظيماً وحكيما ومثاليا لكن فى ظل الصلاحيات المطلقة لرئيس الجمهورية فمعناه أننا نعيش أزمة فى العقل السياسى للإدارة السياية للنظام القائم وبالتالى استفحال دور وتأثير البيروقراطية والإدارة وترهلت الدولة وتفككت وتحللت، وأصبحت لأول مرة فى تاريخ مصر المعاصر أننا اعتدنا أن الدولة تتصارع مع المعارضة السياسية. إننا نجد الدولة غير السياسية تتصارع وتسحق المواطن غير السياسى أعنى المواطن الذى تقف حدود أحلامه بشرب مياه نظيفة، وأن يستقل مواصلات الحكومة آمنا، أو يسافر ويعود فى عبارة تغرق وتتحرك فرق الإنقاذ بعد 15 ساعة وبعد غرق ألف مواطن لا يشكلون عند النظام سوى عدد فى الليمون، وأن يجد شوارع تمشى لا تقف بالساعات، أو تمشى فى شارع طوله كيلو مترات دون إشارة للمشاه مثل شارع الهرم، فنحن فى دولة ترعى المواطن بالكلام وبيانات الحكومة فقط، وهناك انهيار فى مرافق الدولة كلها وهذا قد يوصلنا للعجز التام من قبل الدولة فى إدارة أمورها ومواجهة الفوضى والعشوائية نحن داخلون لمستوى خطر يتعلق بانهيار مؤسسات الدولة نفسها.
- لم نتحدث عن الأداء السياسى لهذا النظام كيف تراه؟ وإلى أين سيؤدى بمصر؟
-- هذا الأداء توقف عن اجتهاد النظام، فى أن يكون سعيداً بتدمير الأحزاب السياسية، ومحاصرة حركة كفاية وجماعة الإخوان، وأن ينجح فى ممارسة ضغوط على الإصلاحيين فى سلك القضاء، لكنه اكتشف أن تدمير الطبقة السياسية فى مصر بما فى ذلك النقابات والنقابيون إن أتته المشكلات من جانب آخر، وهو الفوضى والتحلل الاجتماعى وصولاً للاضطرابات العمالية فى حلوان، مع غياب الدور النقابى الواصل بين السلطة والعمال فالانتفاضة القادمة فى مصر والاحتجاج القادم لن يكون قائما على تنظيمات سياسية، وستكون عفوية وبدائية وخطرة ويتضمن عناصر للفوضى أكثر من عناصر للبناء.
- وكيف ترى مستقبل مصر فى ظل هذه المعطيات المخيفة إلى أى حال ستقود الأوضاع الحالية مصر؟
-- أنت فى النهاية فى حالة فراغ مؤكد، وعلى فكرة، فإن الانهيار الحادث فى الأداء العام، لا تعتقد أنه نتيجة أخطاء فردية وإنما نتيجة نظام كامل يحكمه مشروعان مشروع الرئيس قائم على إبقاء الأوضاع على ما هى عليه ولا يحب التغيير ويميل إلى السكون والتسكين، ومشروع التوريث، والمفترض أن يطور أداء الدولة ويحدث المرافق العامة ويتفاعل مع الناس لكن لأنه مشروع يتم فى الظلام فإنه يعتمد على بعض التحالفات مع رجال أعمال ورجال لجنة السياسات وليس له علاقة بهذا الوضع وبالتالى فإن المشروعين الجديد والقديم داخل النظام يكرسان لحالة الانهيار التى وصلنا إليها أحدهما بجموده والآخر بسريته وفقره إلى الدور والخطط الاستراتيجية فى المستقبل ولا يعنى بتحديث أو تطوير الأداء العام ولكنه اختار الطريق الأسهل من خلال تحالفات نوعية من النخبة الاقتصادية والسياسية فى سياق مشروع لا نعرف عنه شيئاً فكانت النتيجة أن أصبحت مصر أسيرة لمشروع قديم جامد بطبيعته وآخر جديد مختزل فى التوريث ودفع الشعب الثمن باهظاً لهذا الانهيار العام ومؤسسات الدولة غير المسبوقة فى تاريخ مصر، ونحن لم نعد نعرف أى شيء ينذر هذا الوضع نحن نعيش نظاما دمر قيمتى الكفاءة والنزاهة هناك إصلاحيون داخل الدولة وليس داخل الحزب الوطنى.
- إزاء انهيار المؤسسات وترك المسئول عن الكوارث حرا طليقاً، ومظاهر غياب الانضباط عن الشارع المصرى والتحرش الجنسى وحوادث القطارات التى لا يتم محاسبة المسئول عنها وغير ذلك من مظاهر التحليل لا نجد الدولة الأمنية تواجهها بشدة فى حين خروج خمسمائة شخص من كفاية فى الشارع نجد وسط البلد تحول إلى ثكنة عسكرية ما دلالة هذه المفارقة هل النظام هشا أم أنه خائف؟
-- أنا بالفعل مندهش لهذه المفارقة أن يتم استهداف النساء فى وسط البلد ولا يوجد فرد أمن واحد، وهى مسألة فى غاية الغرابة وتحرك فرق الإنقاذ للعبارة بعد غرق كل من فيها وإذا كانت هناك مظاهرة تتحول مصر لثكنة عسكرية وهذا جميعه يجسد فكرة المواطن الغائب فى عقل النظام، والنظام خائف لأنه ضعيف لكنه نجح فى خلق توازن ضعف وجعل القوى السياسية من أحزاب لنقابات ومنظمات المجتمع المدنى تعيش على نفس توازنات الضعف التى خلقها وأوجدها أى نشر عدوى حالة الضعف بين القوى السياسية الأخرى وهو يعيش على فكرة هذه التوازنات وهى إضعاف الآخرين لكى يستمر والدليل على ذلك أنه استمر 26 سنة رغم ضعفه وغياب مشروعه لأنه كان أقوى الضعفاء.
- وماذا عن دور الحزب الضخم جداً الذى يقف على قمته رئيس الدولة ورئيس الوزراء والوزراء؟
-- هو مؤسسة فاشلة تابعة للدولة، ومجموعة موظفين يدارون بأمر إدارى، وقياداته معنية وليس له إدارة سياسية، وهو معتمد بشكل كامل على مال الدولة وأجهزة الدولة الأمنية والإدارية لابد أن ينفصل عن جهاز الدولة ليصبح حزباً صاحب مشروع سياسى وهو يدار بمنطق المصالح الحكومية ويضم ألوان الطيف السياسى وغير السياسى.
- نريد أن نتوقف مرة أخرى عند ميليشيات جامعة الأزهر، هل كان وفق ما أوضحت استعراضا وقائيا ضد بلطجة الحكومة وأنه يقف عند هذا الحد أم أن له دلالات أخرى؟
-- يمكن اعتباره كذلك، ولقد حدثت اعتداءات على نشطاء كفاية، وتم اعتقال أيمن نور، ولم نجد من حلفائهما أو المؤمنين بهما استعراضات مضادة ولذلك فإن هذا لم يكن تصرفا صائبا من قبل الإخوان، وعلى الإخوان أن يراجعوا هذا الموقف الذى أقلق النخبة فى مصر، وأتصور أن الإخوان ليس لديهم النية فى إقامة تنظيم مسلح، رغم هذه الاستعراضات الرديئة التى تعكس جوانب مقلقة فى فكر الإخوان وعليهم أن يكونوا أول المبادرين بمراجعة هذا الأمر ورفضه بالكامل.
- لكن المدهش أن المرشد العام نفى انتماء هذه الميليشيات للإخوان وهذا يحيلنا لنفى حسن البنا لعلاقة الإخوان بالاغتيالات فى بيانه الشهير ليسوا إخواناً وليس مسلمين؟
-- أيام حسن البنا كانوا إخوانا وكانوا مسلمين، والشباب الذين قاموا بالاستعراض فى جامعة الأزهر أغلبهم إن لم يكن جميعهم إخوانا وأكرر لابد للإخوان من مراجعة هذا التصرف.
- طالعنا جميعاً مؤخراً مشهد إعدام صدام وهذا يقودنا لمعرفة رأيك فى شكل المحاكمة وقرارها؟!
-- كان هناك مدخلان للتعامل مع هذه القضية فالمحاكمة لم تكن قانونية أو نزيهة بل كانت منحازة، ولم تطبق المعايير القانونية وحكمت بمنطق مسبق تسيطر عليه روح الانتقام، وكانت المحاكمة مسيسة منذ البداية ولا علاقة لها بالقانون. والمشكلة أن نظام صدام كان من الممكن محاكمته ومحاكمة مظاهر الاستبداد العربى كله، لرد الاعتبار لضحايا الأنظمة المستبدة، لقد كان لصدام خصوم وكان هناك من يرفضون حكمه، وحينما يتعاطف هؤلاء مع لحظة إعدامه فهذا معناه فشل مدوى للحكومة العراقية والنظام الجديد فى العراق الذى حول المحاكمة إلى ثأر طائفى بغيض جعل خصوم صدام يتعاطفون معه.
- وما دلالة تضارب ردود الفعل حول إعدامه؟
-- هذا التفاوت والتضارب فى ردود الفعل ذو علاقة بإجابتى عن السؤال الأول فإيران التى دخلت حربا لثمانى سنوات مع العراق، والكويت التى تعرضت للغزو العراقى يمكن أن نتفهم مبررات رد فعلهم رغم أن هناك جانبا من الكويتيين والإيرانيين مع الطريقة التى نحر بها صدام، لقد كانوا مع إعدامه ولكن ليس على هذه الطريقة وفى هذا التوقيت.
- ألا يقصد بتوقيت الإعدام توجيه إهانة للعالم الإسلامى إذا جاء فى توقيت نحر أضحية عيد الأحضى؟
-- الطريقة والتوقيت فيهما اليد العراقية أطول، وللأسف الشديد فأنا لأول مرة أؤكد أنه ليس للأمريكيين دخل فى اختيار توقيت الإعدام، وأنه لمن المؤسف أن يصبح فى العراق احتلالان أحدهما أمريكى والثانى للميليشيا ومن المؤسف أن تحول هذه الميليشيا الدولة العراقية إلى ساحة للانتقام الطائفى البغيض.
- وبماذا تفسر هذا الصمت المطبق من حكامنا العرب، فلا تصريح بتأييد ما حدث أو حتى بأضعف الإيمان الذى اعتدناه
من انظمتنا أى بشجب وإدانة أى شيء ولو حتى توقيت الإعدام؟
-- الصمت العربى عكس أن كل الحكام العرب لم يكونوا متعاطفين مع التوقيت لكنهم عاجزون عن الاعتراض لأن تأثيرهم داخل المعادلة العراقية وداخل الساحة العراقية وعلى الحكومة العراقية تأثير منعدم، وأن الساحة العراقية أصبحت مثار تنازع بين النفوذ الأمريكى والإيرانى وأن هناك رغبة من قبل حكامنا العرب فى عدم إغضاب الولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها صاحبة مشروع الهدم والإحلال فى العراق.

No comments: