Monday, January 22, 2007

هوامش سريعة


بقلم أكمل قرطام ـ المصري اليوم ... ٢٢/١/٢٠٠٧
.. إذا لم يكن للمواطنين رأي في الشأن السياسي، فلا ننتظر خيرا من المجتمع، فالتعديلات الدستورية ما هي إلا مادة خام لصناعة الإصلاح السياسي، فإذا غاب رأي المواطنين عنها فإن الصناعة الرديئة هي التي سوف تنتشر، وإنني أتمني علي المواطنين في كل ربوع مصر أن يدلوا بدلوهم ويعبروا عن رأيهم في هذه التعديلات عند خروجها للاستفتاء، فالتاريخ الذي تصنعه أمة هو أقدر علي الاستمرار من تاريخ تصنعه حفنة قليلة منها.
.. إذا ما أخذ الدستور بإشراف هيئة مستقلة علي الانتخابات فلابد أن يضمن كفالة الاستقلال التام لها وللقائمين عليها، وأن يتم تعيينهم أو فصلهم أو مكافأتهم المادية، دون تدخل أو علاقة بالسلطة التنفيذية، ويتعين أن يحدد الدستور كيفية اختيار أعضاء هذه الهيئة كأن يكون عدد من قضاة المحكمة الدستورية وعدد من قضاة محكمة النقض وعدد من القضاة ـ حاليين أو سابقين ـ يتم انتخابهم بمعرفة الجمعية العمومية للسلطة القضائية.
.. المواطنة لا تفرق بين مسلم وقبطي، والشريعة الإسلامية تضمن للأقباط حقوقهم كما تضمنها للمسلمين لا تفرق بينهم، فلماذا يري البعض أن هناك تصادما بين النص الحالي الذي يقول: إن الإسلام هو الدين الرسمي للدولة ومصدر التشريع فيها.. وحقوق المواطنة؟ فهل منعت هذه المادة الإخوة الأقباط من التمتع بحقوق المواطنة يوما ما؟ سؤال يجيب عنه التاريخ، تجيب عنه ثورة ١٩١٩ وتجيب عنه حرب ١٩٧٣، ويجيب عنه قبل هذا وذاك طبيعة المجتمع المصري وسماحته.
.. المناقشة هي أفضل وسيلة لإعداد المسائل العامة وتنفيذها، وتحديد أفضل الوسائل أو أحسن النظم لا يمكن أن يتولد إلا عن جهد مشترك لأشخاص عديدين من اتجاهات مختلفة، والقسوة المتطرفة والأنانية المسرفة إذا تميز بهما الصراع الحزبي فإنه يؤدي إلي إعلاء كل فئة مصلحتها الخاصة فوق مصلحة الدولة نفسها.. فتصبح المناقشة مجلبة للضرر.
.. قوام حرية المواطن هو حقه الكامل في الإقناع والاقتناع، والحرية علي هذه الصورة تتضمن احترام القانون، فليس هناك إنسان مطلق الحرية، ولكنْ هناك فارق دقيق بين قيد يفرضه عليه غيره بطريقة تحكمية، وقيد آخر يأخذ هو به، لإحساسه بأن القانون عندما نص عليه إنما تضمن أمرا خليقا بالاحترام والطاعة، فالحرية تضمن حتما احترام القانون.
.. لعل أهم منطق يجب أن يسيطر علي التعديلات الدستورية الراهنة هو توسيع رقعة الحرية للمواطنين، وعلي المشرّع أن يتنبه لهذه الحقيقة من خلال العمل علي إطلاقها في الدستور نفسه، وألا يحيلها إلي قوانين منظمة، فالتجربة الماضية أسفرت عن أن القوانين غالبا ما تقيد الحريات إلي الحد الذي يفقدها مضمونها الأساسي الوارد في الدستور.
.. أخذت الدساتير المعاصرة بفكرة حرمة مبادئ الحرية واستقصائها علي التقييد من خلال القوانين، فالحريات من لوازم الصفات الأساسية للإنسان التي لا يستطيع تنظيمها إلا الدستور نفسه، ونتمني ألا نري في التعديلات الدستورية عبارة «علي أن ينظم القانون هذه الحريات» حتي لا يتخلي الدستور عن مكانته كقانون اسمي لصالح القوانين الأدني.
.. نشرت إحدي الصحف الحكومية مؤخرا دراسة مهمة قامت بها عدة جهات دولية عن مشكلات الشباب المصري وأظهرت الدراسة أن:
٧٢% من الشباب المصري لا يرون أملا في التطور السياسي في مصر، ٦٩% من الشباب غير مهتم أساسا بمتابعة الأحداث السياسية، ٧٧% من الشباب مهتم فقط بمتابعة الأحداث الفنية والرياضية، ٨٢% منهم لا يفكر إلا في الزواج وزيادة دخله المادي، ٦٧% منهم لا يزال يبحث عن فرصة عمل،٨٤% لا يفهم معني للنقاش الدائر حول التعديلات الدستورية الراهنة.
إن هذه النتائج الخطيرة تمثل الحالة التي وصل إليها شباب مصر والتي تستدعي تحركاً حكومياً عاجلاً فالشباب هم القوة الدافعة لحركة التطور في مصر، ومسؤوليته لا تقع في رقبة المجلس القومي للشباب فقط، وإنما تقع علي كاهل كل سلطات الدولة ومؤسساتها ووزاراتها أيضا.
.. انتفضت المنظمات غير الحكومية المعنية بالمرأة وعقدت العديد من الندوات والحلقات النقاشية، وورش العمل، حول وضع المرأة في التعديلات الدستورية الجديدة، وقدموا مئات المقترحات، والأفكار، حول كيفية ضمان حد أدني من المقاعد للمرأة في البرلمان (كوتا)، سواء كان ذلك في نطاق الدستور، أو القانون،
أو إلزام الأحزاب السياسية بتبني هذه «الكوتا» عند اختيار مرشحيها في الانتخابات، وحتي لا تتعارض هذه الأفكار مع بعضها، فلماذا لا يتم التنسيق من خلال المجلس القومي للمرأة، بحيث يخلص إلي ورقة عمل واحدة يقوم بتقديمها إلي مجلس الشعب حتي تأتي التعديلات الدستورية معبرة بحق عن مكانة المرأة في المجتمع المصري، فهن أقدر علي طرح رؤيتهن بدلا من أن تفرض التعديلات الدستورية عليهن وضعا قد لا يحقق طموحهن.
.. إخلاص القيادة السياسية للتعديلات الدستورية ليس محل شك، ولكن الكتابات الصحفية في الجرائد الحكومية والتي خرجت علينا مؤخرا تحاول أن تفسر لنا أهداف التعديلات الدستورية، وتروج في معرض تحليلها إلي أفكار لا يقبلها المواطن العادي ـ مثل تأبيد السلطة، وخضوع السلطة القضائية للسلطة التنفيذية،
وتسفيه الأفكار والآراء الأخري ـ تؤدي إلي الإضرار بالدولة وبأهداف التعديلات الدستورية المطروحة، لذا أعتقد أنه قد يكون من الضروري أن يصدر بيان رئاسي حول أهداف التعديلات الدستورية والمرامي التي تبتغي تحقيقها علي صعيد التنمية والديمقراطية من أجل إسكات هذه الأبواق الإعلامية التي تعبث في كل خطوة إيجابية تقوم بها الدولة تجاه المواطنين، وتؤدي إلي تشكك قطاعات منهم في إيجابية تلك التعديلات.. وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.
.. الدستور هو وحي التشريعات التي تصدر لتنظم المجتمع، فإذا تفاعل الناس معه، وأدركوا أن تعليماته لخيرهم، يصبح ركيزة المجتمع التي لا غني عنها، وإذا أدركوا أو شعروا أنه لا يعبر عنهم أو عن مصالحهم فإنهم لا يتفاعلون معه وينصرفون عنه.. فيموت.. ويصبح إكرام الميت دفنه.

No comments: