Saturday, January 06, 2007

تخيل نفسك رئيساً


بقلم أسامة هيكل
تخيل نفسك رئيس جمهورية.. وقد حللت رئيسا في ظل مادة دستورية تسمح لك بأن تظل رئيسا مدي الحياة، فصلها من سبقك ولم يمهله القدر ليتمتع بها.. فهل تبادر أنت وتضع نصا دستوريا يحدد السقف الزمني للرئاسة، بينما لم تكن أنت الذي وضعتها؟ ما الداعي؟
تخيل نفسك رئيس جمهورية.. وكل الأجهزة الأمنية مسخرة لخدمتك وحدك.. وقد ارتبطت حياتك بأمن مصر القومي، فكلما اقترب منك خطر، يعتبر تهديدا للبلد كلها.. وكلما انتقدك أحد أصبح عميلا وخائنا وحاقدا من وجهة نظر الأمن.. فهل تترك منصبك لتصبح أحد أفراد الشعب، وربما يلفقون لك تهمة قلب نظام الحكم إرضاء للرئيس الجديد؟
تخيل نفسك رئيس جمهورية.. كلما تحدثت وجدت من يصفقون لك.. وكلما نطقت وصفوك بالحكيم والقائد الملهم.. وكلما قررت وجدتهم يؤكدون أن رؤيتك ثاقبة وبصرك حاد ولا تخطئ في قرارك أبدا.. فهل تترك كل هذا الإحساس بالعظمة، لتكتفي بقراءة الأخبار في الصحف ومشاهدة أفلام الفضائيات، وتشاهد رئيسا غيرك في نشرات الأخبار يصفونه بالحكمة والإيمان والإلهام، ويتحرق دمك وأنت تسأل لماذا؟
تخيل نفسك رئيس جمهورية.. تسافر للخارج فيستقبلك كبار رجال الدولة التي تزورها في صالة كبار الزوار، وتسكن أرقي قصورهم وفنادقهم خلال الزيارة، وتجد الصحف المصرية تقول إنها زيارة ناجحة ومهمة للغاية في كل مرة، حتي لو كنت في نفس البلد منذ أسبوع، ويوهمونك بأن هذه الدولة وقفت علي رجل واحدة من أجلك.. هل تترك كل هذا لتعود مواطناً يبحث عن تأشيرة سفر، ولو سافرت يستقبلك ضباط المطار بتكشيرة واسعة توحي لك بأنك ارتكبت جناية؟
تخيل نفسك رئيس جمهورية.. وأردت أن تنزل الشارع متوجها لمناسبة ما.. فتتراص الحراسة علي جانبي الطريق الذي تسير فيه قبل أن تصحو من نومك، وأطول مشوار في القاهرة يستغرق دقائق بموكبك المهيب، والجميع مسخرون لحمايتك وتأمينك وخدمتك.. وتتابعك كاميرات التليفزيون في المناسبة التي تحضرها، وحتي في طريقك إلي هناك.. ويتم إعادة بثها تليفزيونيا عدة مرات.. وتتصدر نشرات الأخبار دائما مهما كانت.. فهل من السهل أن تتنازل عن هذة الأبهة التي يفرضها المنصب، وتعود لصفوف المواطنين المحشورين في الشوارع انتظارا لمرور موكب رئيس آخر؟
تخيل نفسك رئيس جمهورية.. لا تلمس نقودا بيدك، وربما لا تعرف شكل الجنيه لأنك لاتستخدمه بنفسك.. فإذا أردت أن تشتري بدلة جديدة، يأتي إليك رؤساء أكبر شركات مصرية، وربما أجنبية، ومعهم عينات أقمشة تختار منها، وطبعا مقاس سيادتك عندهم، وبعد ساعات تكون الأقمشة التي اخترتها قد تحولت إلي بدل مضبوطة جدا، دون عناء البحث في المحال، والمفاضلة بين الأسعار.. فهل تترك هذا المنصب لتقف مع السوقة والدهماء في المحال لشراء حاجياتك، وتجد الأسعار مسعورة والمقاسات ملخبطة؟
تخيل نفسك رئيس جمهورية.. وتتولي أمر شعب طيب جدا جدا مثلنا.. الأسعار ترتفع بجنون عليه، وتخرج الأمور كلها عن نطاق استطاعة الغالبية العظمي منه، ورغم ذلك تصلك التقارير الحكومية بأن الشعب سعيد ومبسوط، وأن معدل النمو وصل ٧ % تقريبا في إنجاز غير مسبوق، وأن مستوي المعيشة ارتفع جدا مقارنة بما كان عليه قبل توليك الرئاسة.. فهل تترك هذا الشعب المبسوط بهذه البساطة؟
تخيل نفسك رئيس جمهورية.. وألمت بك نزلة برد خفيفة، فتجد كبار الأطباء أمامك في ثوان، وكل منهم مستعد لترك بطن مريض مفتوحة في غرفة العمليات لمساندتك فورا فينصحونك بتغيير الهواء، فتأخذ طائرتك وحاشيتك مسافرا فورا إلي شرم الشيخ مثلا لتنعم بالمناخ الصحي النقي الآمن، وإذا أردت العودة في أي وقت تجد البلد كله جاهزاً لاستقبالك.. فهل تترك المنصب لتعاني معاناتنا نحن مع الأطباء والتلوث والزحام، وإذا أردت أن تسافر تدوخ في حجز التذكرة، وتسافر حسب ظروف الحجز لا وفق جدولك الشخصي؟
الحقيقة أنني مثل غيري طالبت بتعديل المادة ٧٧ من الدستور، بحيث يكون الرئيس رئيسا لمدتين علي الأكثر، إلا أنني أعترف بأنني كنت متأثرا بوجهة نظر أحادية، ولم أضع نفسي مكان الرئيس، حينما كونت رأيي الذي مازلت متمسكا به باعتبار أن ذلك ضمان للتداول الذي هو شرط من شروط الديمقراطية.. فوجهة نظر الرئيس هي الأهم والأكثر تأثيرا..
فهو الذي يقترح التعديلات الدستورية التي يريدها، ولا يملك الشعب هذا الحق، وطبعا أحقية ثلث مجلس الشعب في تعديل الدستور معطلة ومشلولة، فلا يوجد من بين الأعضاء الثلث القادر علي الاقتراح، ولو وجد هذا الثلث لن يكون قادرا علي التمسك باقتراحاته حتي النهاية..
إذن فلا تعديلات دستورية إلا بأمر من الرئيس وبإرادته.. وهذا أمر واقع.. ومستحيل أن يقتنع هو بأهمية تحديد سقف زمني لمدة الرئاسة، في ظل الظروف التي يعيشها، فلا داعي لأن يصدع محامو الحزب الوطني رؤوسنا ليلا ونهارا بتبريرات فارغة لإثبات عدم أهمية تعديل المادة ٧٧ من الدستور، والادعاء بأنها ليست ضرورية وليست مهمة، والدفع بأن الديمقراطيات الكبري لا تحدد سقفا زمنيا للرئاسة..
فهؤلاء يدافعون ـ نفاقا ـ لمجرد أنها لم ترد في التعديلات التي اقترحها الرئيس منذ أيام، فهم لا يعرفون سبب رفض الرئيس لها أصلا، ولا يملكون القدرة لسؤاله في هذا الشأن.. وهم فقط يدافعون لأنهم يعرفون أن مناصبهم مرتبطة بقدر مايثبتونه من ولاء.. وهم أنفسهم سيغيرون مواقفهم تماما إذا اقترح الرئيس تعديلها وتحديد مدتين كحد أقصي للرئاسة.
إذا كان هؤلاء المحامون يريدون أن يتحدثوا عن سبب وجيه لعدم تعديل المادة ٧٧، وإذا كان المطالبون بتعديلها يريدون معرفة هل ستتعدل أم لا، علي كل منهم أن يتخيل أنه الرئيس ولو لربع ساعة وليس ربع قرن.

1 comment:

maha said...

سلام عليك يا ابراهيم
بصراحة شدني العنوان لانه فكرة فكرت فيها كتير
شوف يا ابراهيم فكرة ان الواحد يكون رئيس دي مش حاجة بسيطة و لكن المفروض زي ما نفكر في السلطة و النفوذ لازم نفكر ان الواحد هيكون مسؤول عن ارواح ناس و هيكون مصير كل واحد بدأ من الاكل و الشرب و توفير المعيشة الكريمة انتهاء بان كل واحد ميكونش مظلوم و مهدور حقه لكام مليون فرد في رقبتك .....لعل مش كل الناس بيفكروا كده و طبعا اي رئيس و اغلبهم علي الاقل مش ده اللي بيكون في باله- الا من رحم ربي-
عارف لو كل واحد فكر في كده هيلاقي انها مسؤولية لاتطاق .و دايما اتذكر سيدنا عمر بن الخطاب لما كان يفضل طول الليل يعسعس - يمشي طوال الليل- يتفقد احوال الرعية و يبقي قلقان لو ناقة تعثرت في اليمن لان الله سبحانه و تعالي هيساله عليها...
سبحان الله النظرة اختلفت و المنصب واحد و تعدد الاولويات

موضوع هايل ياابراهيم و في انتظار مقالات تكتبها انت
سلام عليكم
مها