بقلم سليمان جودة ـ المصري يوم ٢٣/١/٢٠٠٧
في أبريل المقبل، سوف يخرج الرئيس الفرنسي جاك شيراك، من قصر الرئاسة، إلي غير رجعة.. وسوف يلحق به «توني بلير» رئيس وزراء بريطانيا، في آخر هذا العام.. وسوف يكون الاثنان موضع حسد كل مشتغل بالكتابة في مصر،
وربما في العالم العربي.. ولا نقول موضع حقد.. فالمؤكد أن شيراك سوف يجلس ليكتب مذكراته، ويفتش في أوراقه، ويروي وقائع حياته، مع الرئاسة، ومع غيرها، علي مدي ١٢ عاماً قضاها في السلطة،.. ثم علي مدي سنوات عمره كلها، وهو الآن رجل في السبعين أو ما حولها..
وسوف يفعل توني بلير الشيء نفسه.. وليس هناك شك في أن كل واحد منهما، قد صنع فرصته، ولم تصنعه الفرصة.. صنع الحدث بيديه، وأفكاره، وعقله، ولم يصنعه الحدث.. وكل واحد من الرجلين وراءه تاريخ من الهزائم، والانكسارات، والانتصارات..
وكما جاء إلي كرسي الحكم، بإرادة الشعب، فهو يغادره بالإرادة نفسها، وليس بالقوة أو الغصب.. ولم يجادل كلاهما في رغبة الجماهير الواعية، التي جاءت بهما، ذات يوم، إلي مواقع التأثير، والأضواء، في العالم، ثم تقول لهما: مع السلامة!!
أما دواعي الحسد، فهي الثروة التي سوف تهبط علي كل واحد من الرجلين، من وراء المذكرات السياسية.. وربما تكون المفارقة الحقيقية هنا.. هي أنهما لا يعملان بالكتابة، ولا بالصحافة، ولا يحترفان الأدب، ورغم ذلك فإن الثروة الحقيقية لأي منهما سوف تهبط عليه من وراء الكتابة، وليس من وراء السياسة،.. وسوف توزِّع مذكرات توني بلير، مثلاً، أكثر مما وزعت كُتب نجيب محفوظ علي طول سنوات حياته كلها في ٢٢ دولة عربية..
وسوف تكون الفلوس التي تجلبها مذكرات شيراك له، أضعاف أضعاف ثروات الأدباء والكُتاب والصحفيين العرب مجتمعين، مع ملاحظة أن عدد سكان فرنسا، يكاد يقترب من عدد سكان مصر، وكذلك الحال في بريطانيا، فعدد السكان ليس مؤشراً علي عدد القراء.. ولا نزال نذكر، أن الكتاب الذي كتبته هيلاري كلينتون، بعد خروج زوجها من البيت الأبيض، منذ ست سنوات، جلب لها ثمانية ملايين دولار، في أسبوع!!
ولايزال الكتاب السياسي، في العواصم الثلاث، خصوصاً إذا كان كتاباً لشخصيات من هذا الوزن، وهذا العيار، موضع إقبال غير مسبوق.. ولايزال كل سياسي كبير هناك، يراهن علي تحقيق ثروته الفعلية، بعد خروجه، من خلال كتابة مذكراته، وليس في أثناء وجوده علي الكرسي.. ولابد أن دور النشر تتسابق الآن، في توقيع العقود علي بياض مع شيراك،
ومع توني بلير في وقت واحد، وتدفع لهما ما يريدان، ولا تناقشهما فيما يطلبان من الملايين.. فالتوزيع مضمون ومؤكد وعلي نطاق واسع.. والشهرة موجودة، ومتوافرة بما يكفي.. والتجربة عريضة، وعميقة، ومثيرة أيضاً.. والثروة، بعد ذلك، قادمة إلي جيب كل واحد منهما، من غير تفكير.. وليس هناك كاتب عربي إلا وقد بدأ حياته، وهو يعيش ليكتب، فانتهي به الحال إلي أنه يكتب ليعيش!!..
ولذلك فسوف يكون عائد مذكرات بلير وشيراك، مناسبة ملائمة، لتقليب المواجع علينا، وجلب المزيد من الحسرة، والحزن، والأسي، والألم..
فإذا تجاوزنا مؤقتاً، أصحاب القلم، وأهل الكتابة بيننا، فلن نجد رئيساً عربياً واحداً، كتب مذكراته ونشرها في حياته علي الناس.. وباستثناء «البحث عن الذات» للسادات، و«ذاكرة ملك» للحسن الثاني،
ثم كتاب «بورقيبه» عن الزعيم التونسي الراحل، فليس هناك رئيس عربي، له مذكرات ذات قيمة واعتبار.. وحتي هذه المذكرات الرئاسية الثلاث، خرجت إلي النور في حياة أصحابها، ثم، وهذا هو الأهم، في أثناء وجودهم في السلطة،
ولذلك افتقدت المذاق الخاص، الذي تكتسبه أي أوراق يكتبها صاحبها، بعد مغادرة الحكم، وليس وهو رابض فوق الكرسي وملتصق به، ولا يريد أن يفارقه!!!.. فلماذا لا نجد بيننا مذكرات من نوعية مذكرات شيراك، وتوني بلير.. وأيضاً جيمي كارتر، الذي أصدرها مؤخراً.. لماذا؟!..
لأن الرؤساء العرب، لا يحبون أن يتركوا السلطة، وهم علي قيد الحياة!!.. وإذا حان أجل الواحد منهم، فإنه يذهب ومعه أوراقه، وأشياؤه،.. ويغلِّق من ورائه الباب
No comments:
Post a Comment