Sunday, January 21, 2007

بدلاً من حرائق الإخوان


بقلم أسامة غريب ١٨/١/٢٠٠٧
أتمني أن تكون جماعة الإخوان جادة فيما أعلنه مرشدها العام من أنهم بصدد تكوين حزب سياسي، وحتي لو لم يكونوا جادين فعلينا أن نضغط لكي يتحولوا إلي حزب سياسي أو أن يصبحوا جماعة وعظ ودعوة إلي حسن الخلق،
أما أن يبقوا علي هذا النحو فهو أمر مخيف وخطر علي مصر وعلينا وعليهم أيضاً، فالجماعة حتي الآن «محظورة» قانونيا، وبهذا الاعتبار يمكن لأجهزة الأمن أن تقبض علي أي فرد يعلن انتماءه لتلك الجماعة بتهمة الانتماء لجماعة أو لتنظيم محظور،
وفي العمل السياسي هناك معادلة معروفة في تاريخ الجماعة، وهي أن تتركهم حكومة معينة يعملون وبصراحة تستخدمهم ويقبلون هم ذلك، فإذا ما شعروا بالاستقواء والنفوذ تصوروا أن بإمكانهم الانقلاب علي الحكومة أو تتخوف منهم الحكومة وتكون النتيجة خطوة في وقت واحد منهم ومن الحكومة، عنفاً ومحاولة انقلاب منهم وقبضا علي كوادرهم وتقديم أعداد منهم للمحاكمات،
استغلهم إسماعيل صدقي أيام حسن البنا وقت أن كان صدقي ملفوظاً من جميع التيارات والقوي السياسية، فشعروا هم بالقوة، فكان ما كان أيام النقراشي باشا، ثم تكرر الموقف أيام عبدالناصر، إذ استعان بهم حينما قرر حل الأحزاب وتدمير الوفد نهائياً،
ثم جاءت الخطوة الثانية في ١٩٥٤، استقواء منهم ورد فعل عنيفاً من الدولة، وتكرر الدرس للمرة الثالثة أيام السادات، استعملهم في تدمير اليسار، سواء الناصري أو الماركسي وقاموا بالدور علي أكمل وجه ورفعوا السادات إلي أعلي عليين، ثم حدث الانقلاب فكان ما جري في سنة ١٩٨١،
وها نحن اليوم بإزاء المشهد نفسه وإن اختلفت التفاصيل، أضعف الحزب الوطني أحزاب المعارضة واستعان بالإخوان ليكونوا البديل في الثمانينيات تحديداً، وحدث ما يمكن أن نعده زواجاً عرفياً بين الجماعة والحزب الوطني،
ثم حان وقت الفراق الآن، وهو فراق يتم بدون معروف، هي معادلة سخيفة ولابد أن تنتهي، لأن نمو مصر السياسي متوقف بسبب تلك المعادلة - اللعبة وهناك شباب يضيعون وقوداً لهذه اللعبة الجهنمية.
وحين تكون الجماعة حزباً فإن مصادر التمويل ستكون مشهرة والعضوية علنية وكذلك بقية الأنشطة، وسوف تكون الجماعة مرغمة علي أن تطور فكرها.. فحتي الآن هم يتعيشون علي رسائل المؤسس حسن البنا، ومن يراجعها سيجد أن الرجل يذهب إلي أن الشوري غير ملزمة وأن فكرة الوطن ليست واضحة عنده، وما لديه هو «الأمة الإسلامية» كلها، وحين نكون بإزاء حزب مدني، فلن يكون مقبولاً كل هذه التهويمات،
فضلاً عن شعار الجماعة نفسه الذي ينطوي علي معني من معاني الإرهاب «مصحف وسيفان»، ولو حدث ذلك فإن الجماعة تكون قد حققت نقلة نوعية في مسارها وفي تاريخها، وسوف يستفيد المجتمع من ذلك والدولة أيضاً ونظام الحكم ذاته.
وعلي عقلاء الدولة أن يدفعوا في هذا الاتجاه، وهناك تجربة سابقة، فقد كانت العلاقة متوترة ومضطربة بين التيار الناصري والدولة، ووصلت الأمور إلي مآزق عديدة، وحدث أن تحول الناصريون إلي حزب سياسي، فاختلفت الأمور كثيراً، وسقطت كثير من الاتهامات التي كان يوجهها الإعلام الرسمي إلي التيار الناصري. وصرنا بإزاء حزب معلن وتفاصيله معروفة للرأي العام، فهل يمكن أن نتوقع تكرار تلك التجربة؟
إننا نعيش في حرائق مستمرة طوال العامين الأخيرين، وسوف نجد جماعة الإخوان هي الطرف الثابت والدائر في هذه الحرائق، هذا الأسبوع ينشر تصريح علي لسان نائب المرشد محمد حبيب بأن الأقباط سوف يدفعون ضريبة مضاعفة بديلاً عن الجزية،
ثم يرد النائب بأنه لم يقل ذلك بالضبط، وندخل في دائرة كان يقصد كذا أو لا يقصد، وترتعد فرائص الأقباط ويقلق أنصار المجتمع المدني والدولة المدنية، وقبلها كان استعراض الميليشيات بجامعة الأزهر، وقبلها وقبلها،
وهكذا لا ينطفئ حريق إلا ويشتعل آخر، وفي النهاية استنزاف لطاقاتنا، ونلهث ونرهق ثم نكتشف أننا كمن يمارس تمرين الجري في المحل، لكنه لا يتقدم خطوة واحدة إلي الأمام، وفعلياً يتراجع لأن المحيطين به يجرون وهو في موقعه، وهكذا نحن، فلماذا كل هذا اللف والدوران، جماعة لا تريد أن تخرج إلي العلنية وحكومة لا تدفع في هذا الاتجاه.
ويبدو لي أن كل طرف منهما كان مستفيداً من ذلك الحال، ولكن علي المستوي البعيد، الكل خاسر والجميع مضارون، ففي هذه المعركة ليس هناك كاسب منا، وقد آن الأوان أن نخرج من تلك الحالة، بأن تشكل الجماعة حزباً معلنا ببرنامجه وبأفكاره ويكون كل ما فيه معلناً وليس بيت جحا،
لا نعرف له أولاً من آخر ولا باباً من شباك، مرة تنظيم دولي للجماعة ومرة أنهم رهبان الليل وفرسان النهار، وثالثة أنهم دعاة دولة مدنية وتداول سلطة ورابعة طظ في مصر وخامسة أن نقول للأقباط مع السلامة خارج مصر.. وهكذا.
أن تتحول جماعة الإخوان إلي حزب هو الخطوة الأولي لإنهاء الاحتقان المزمن في واقعنا السياسي والاجتماعي، وعلينا أن نسعي لتحقيق هذه الخطوة

No comments: