Sunday, January 21, 2007

الانزلاق.. إلى المجهول!


كتب عبد الله السنـاوي ـ العربي : 20/1
خفايا ما يجرى فى كواليس السلطة العليا
فريق جديد ل التوريث يعمل على ثلاثة ملفات: الإخوان والأحزاب والصحافة.
تحريض على اعتقال مذيع محطة الجزيرة أحمد منصور فى قضية شركات الإخوان.
أسرار تحقيق أجرته جهة سيادية مع عالم نووى مصرى التقى جمال مبارك لساعتين على إنفراد.


ما يحدث -الآن- فى كواليس السلطة العليا من اجتماعات سرية ومناورات سياسية مستندة الى تصورات محددة لنقل الحكم الى نجل الرئيس فى أقرب وقت ممكن أخطر مما قد يبدو على سطح الأحداث الساخنة. وتنذر التوجهات الجديدة، بما تحمله من صيغ أكثر احكاماً مما بدت عليه السيناريوهات السابقة للتوريث، بدخول البلاد الى مرحلة جديدة مفعمة بالمخاطر، وتقلبات دراماتيكية فى مواقف بعض الأطراف التى قد تستهويها لعبة البيع والشراء والصفقات الصغيرة. من فضلك لا تقرأ الأحداث منفصلة عن سياقها العام، فالترابط بين الملفات يخضع -الآن- لتخطيط يقوم به فريق جديد للتوريث، الذى يبدو ان ساعته اقتربت. بدت سيناريوهات التوريث فى السنوات الأخيرة أقرب الى انزلاق خشن، أو هبوط عنيف على المسارح السياسية، وفيما يبدو انه تطور جديد فإن هذا الانزلاق بات يبحث لنفسه عن أرضية جديدة يسقط عليها، واثقا من أن الأرض تحته تحتمل، والأجواء من حوله تسمح بالمرور بأقل تكلفة سياسية. من شواهد ما يجرى فى الملفات الداخلية الساخنة يبدو أن فريقا جديدا، متضمنا قيادات فى أجهزة الدولة، أخذ يعمل على تهيئة الأرضية السياسية لقبول تولى نجل الرئيس السلطة العليا فى البلاد بعد والده. وهناك ما يؤكد أن الرئيس نفسه يتدخل بنفوذه الاستثنائى فى الإشراف والمتابعة، وإصدار التعليمات لاتخاذ مواقف محددة فى ملف الإخوان والأحزاب والصحافة، بل يراجع بعض الاتصالات ويطلب خروج أطراف من اللعبة ودخول أطراف أخرى فيها لضمان كفاءة التنفيذ. وبدا أن هناك ثلاثة ملفات أمام الفريق الجديد عليه أن يضع فوقها علامات حاسمة للتصرف وفق أهداف نقل السلطة من الأب الى الابن، بأقل تكلفة ممكنة تضمن توسيع قاعدة التأييد وسلاسة انتقال السلطة. الملف الأهم، تحجيم دور الإخوان المسلمين فى السياسة المصرية، أو تهميش وزنهم السياسى والتنظيمى عند نقل السلطة. وكانت الأجواء العامة -قبل شهور- لا تستبعد عقد صفقة ما مع الجماعة، وكانت بعض الأطراف فى الجماعة تميل إلى هذا التصور، بظن أنه قد يمكنها مستقبلا من لعب دور أكبر فى الحياة السياسية، وربما فى صناعة القرار. غير أن التعقيدات الدموية فى المنطقة، وبخاصة فى العراق، وفشل السياسة الأمريكية فى السيطرة عليها، وتراجع الإدارة الأمريكية عن ادعاءاتها بنشر الديمقراطية والكف عن تقويض النظم الحليفة فى المنطقة، أدى الى استبعاد تيارات الإسلام السياسى من فوق الأجندات الغربية، وبات الرهان على قوى الاعتدال فيها خارج الحسابات الراهنة، فالديمقراطية بانتخابات نزيهة، فى أحوال الاحتقان والاحباط واليأس التى تسود المنطقة العربية وتطعن فى هويتها، قد تصعد بقوى تناهض الولايات المتحدة فى خياراتها ومواقفها، وكان ذلك تطورا حاسما فى إبعاد منطق الصفقة مع الإخوان المسلمين. ثم بدا أن الإخوان المسلمين يتمددون فى الفراغ السياسى، وبدا أن انكشاف الحزب الوطنى والحياة الحزبية كلها مما يمكن قوى توصف بأنها خارج الشرعية من ملء الفراغ السياسى القاتل وطرح نفسها كبديل كامل لنظام الحكم الحالى. وأخذ هذا يزعج رئاسة الدولة ويهدد فرص سيناريو التوريث، ويحرض على صدام مكشوف بين الدولة وجماعة الإخوان المسلمين. ثم قدمت الجماعة للدولة مبررات ضربها فى اذرعها المالية وقدراتها التنظيمية باستعراض شبه عسكرى فى جامعة الأزهر الشريف. قد لا تكون -هناك- جريمة بالمعنى الجنائى فيما حدث، غير أن دلالاته الثقافية والفكرية بدت مرعبة، وبعض تصريحات قادة الإخوان زكت المخاوف، وبدا أن هناك تياراً عريضاً فى الإسلام السياسى أعلن تأييده للإصلاح السياسى والدستورى، وشارك فى الحراك السياسى، ثم جاءت بعض مواقفه لتثير المخاوف من أن ينقلب مستقبلا على الديمقراطية. وبدا ان الخلفية الفكرية لبعض قيادات الإخوان متحكمة فيها إلى حد إصدار تصريحات عن الخلافة فيما كانت بيانات رسمية تدعو الى اعلان حزب مدنى. خسر الإخوان المعركة قبل أن تبدأ عندما خسروا قطاعاً فاعلاً فى المجتمع المدنى والسياسى. دعونا نصدق اعتذار قادة الإخوان عما جرى فى جامعة الأزهر، ووصفه بأنه لعب عيال، أو تمثيلية لإزجاء وقت الفراغ أثناء الاحتجاج على تدخل الإدارة والأمن فى الانتخابات الطلابية واعتقال بعض طلاب الإخوان، غير أن الأجواء السياسية، وبعض التصريحات التى صاحبتها، مثل تعبير أحد قيادات التنظيم الدولى للإخوان المسلمين: أمال كانوا عاوزنا نعمل حفلة رقص أدت إلى نزع جانب كبير من الغطاء الثقافى والمدنى من فوق جماعة الإخوان المسلمين، وبدا أن هناك فجوة ثقة أخذت فى الاتساع بين جماعات المثقفين وجماعة الإخوان، وبدا ان ذلك كله يوفر فرصة أمام الدولة وأجهزتها لتوجيه ضربات موجعة لهذه الجماعة، تضرب فى عصبها المالى، وتضعها فى موقع دفاع، وتشل قدرة جهازها التنظيمى على الحشد والتعبئة، وترهب وسائل الإعلام المتضامنة معها، داخل مصر وخارجها، على النحو الذى كشفت عنه بعض التقارير الأمنية من اتجاه لتوجيه اتهامات جنائية لمذيع قناة الجزيرة المعروف أحمد منصور، أو المبالغة فى التنكيل بمعدة الجزيرة هويدا طه لإعدادها مشاهد تمثيلية عن التعذيب فى مصر. وفيما بدا أن جهاز أمن الدولة هو صاحب الدور الأول فى حملة اعتقالات الإخوان المسلمين وضرب أذرعها المالية، أخذت مصادر مطلعة من قلب حركة الإخوان المسلمين تروى أن بعض القيادات العليا فى جهاز أمن الدولة اعترضوا على حملة الاعتقالات، وأن الأجواء السياسية والاجتماعية الحالية قد لا تكون فى صالح التوسع فى هذه الاعتقالات وضرب المراكز المالية للإخوان بصورة شاملة، وقد كان الاستنتاج الرئيسى لقيادات نافذة فى الإخوان المسلمين أن قرار الاعتقالات، على النحو الذى جرت به، يتجاوز أمن الدولة إلى جهات أعلى، والمؤكد أن هذه الجهات العليا بدت فى تصميمها على القرار والتوسع فيه ماضية إلى نزع أظافر الإخوان وقص ريشهم تمهيدا للأرضية العامة لقبول سيناريو التوريث دون ممانعة كبيرة - مجرد خطوة من ضمن خطوات أخرى، أو حسم ملف من ضمن ملفات أخرى، والمثير أن حسن مالك وهو أحد قيادات الإخوان المسلمين من رجال الأعمال، الذين جرى اعتقالهم والاستيلاء على أموال كثيرة فى حوزة شركاتهم التى يقال إنها من مصادر تمويل الجماعة وأحد أذرعتها المالية، قد التقى وزير الصناعة رشيد محمد رشيد قبل يومين أو ثلاثة من اعتقاله، وجرى الحديث موسعاً فى هذا الاجتماع عن إنشاء مصنع للأثاث فى العاشر من رمضان يوفر 20 الف فرصة عمل استنادا الى خبرة شركة إستقبال التركية للأثاث، وبدت القصة مفارقة لما جرى بعدها من اعتقالات، وبدا ان وزراء كبارا من ضمن الفريق المقرب من جمال مبارك لم يكن لديهم علم مسبق عن الخطوط العريضة لتوجه الدولة الجديد فى التعاطى مع ملف الإخوان، غير أن رجال أعمال من داخل لجنة السياسات ومقربين من جمال مبارك، أخذوا يتصلون سراً برجال أعمال الإخوان المسلمين، وأبلغوهم -وهذا كلام مؤكد- بأن عام 2007 سوف يشهد وباضطراد ضربات أمنية تستهدف أموالهم، وبنص الرسالة: خدوا بالكم من أنفسكم ومالكم وعيالكم. وكانت تلك علاقات مصالح وتبادل منافع تتجاوز لجنة السياسات والإخوان المسلمين معاً. والسؤال الجوهرى الآن: إلى أى مدى سوف تمضى ضربات الأمن.. والى أى مدى تحتمل الجماعة هذه الضربات الموجعة دون رد فعل؟. أكثر الإجابات إثارة للتأمل أن جماعة الإخوان المسلمين لن تقدم على أى رد فعل. وبدا ان قيادات جهازها التنظيمى منتعشة بما يجرى باعتبار أن المحن تقوى الدعوة، وهذا تعبير منقول عن رجل التنظيم القوى محمود عزت. والمعنى المؤكد أن جماعة الإخوان المسلمين لا ترغب الآن فى صدام ولا تسعى اليه منتظرة المدى الذى يمكن ان تصل اليه الضربات الآمنية لإعادة تقييم الموقف. قد توجه رسائل للمجتمع برغبتها فى حزب سياسى مدنى، وهى تأخذ الفكرة على محمل الجد، لاستعادة ثقته فيها وتبديد مخاوفه منها. لكن ذلك سوف يأخذ وقتا طويلا. وفيما يبدو أن هناك جدلا ساخناً داخل مكتب الارشاد يحمل قيادته مسئولية تصريحات أضرت بالجماعة، ووفرت الفرص للدولة لتوجيه ضربات، دون أن يتحرك أحد من القوى السياسية الأخرى لإبداء التضامن مع الإخوان. ومما هو مثير على هامش ما يجرى من صدام أن اتحاد الأطباء العرب، وللإخوان كلمة نافذة فيه، وجه دعوة حوار للعالم النووى محمد النشائى، قبلها على الفور وكان له طلب واحد: وهو دعوة جمال مبارك للمشاركة فيها، وكان قد التقاه على انفراد من قبل. ارسلت الدعوة الى جمال فعلاً، ولكنه اعتذر عن قبولها فى اتصال هاتفى أجراه الدكتور على الدين هلال. والأكثر إثارة أن جهازا سياديا فى الدولة استدعى الدكتور النشائى ليستفسر منه عن دواعيه للمشاركة فى هذا الحوار، وكانت اجابته بسيطة ومقبولة أنه شارك فى جهة نقابية وعند أطراف لها شرعيتها، وتحدث علناً فيما أراد التحدث فيه، بل انه طلب مشاركة جمال مبارك. بدت القصة ملتبسة فى بعض جوانبها ولكنها كاشفة عن موقف جديد من المنظمات والنقابات التى لها صلة بالجماعة التى توصف فى الخطاب الرسمى بانها محظورة. فى ملف الإخوان بدا أن الخشونة سيدة الموقف، غيرأن الملفين المصاحبين تغلبت فيهما لغة الصفقات الصغيرة. ونقصد ملف الأحزاب المعارضة وملف الصحافة التى تناهض التوريث. فى ملف الأحزاب السياسية مطلوب الآن تدجينها بالكامل مع الإيحاء بأن هناك دوراً ينتظرها فى تركيبة مجلس الشعب المقبل. أو بمعنى آخر تهيئة هذه الأحزاب للعب دور الكومبارس أمام ترشح محتمل لنجل الرئيس فى انتخابات رئاسية مقبلة. وقد بدا أن قيادات أحزاب رئيسية ضحت بأدوار أحزابها ومواريثها السياسية الداعية للديمقراطية والانتقال السلمى للسلطة مقابل وعود بمقاعد برلمانية فى انتخابات مقبلة وفق قانون يعد للانتخاب بالقوائم النسبية. وبدا أن موافقة بعض الأحزاب الرئيسية على التعديلات الدستورية من ضمن تهيئة البيئة السياسية لتوريث الحكم، وهناك ايضا صفقات أخرى بدأت تلوح فى الأفق شواهدها. وحتى الآن يتحرج جمال مبارك من الإعلان عن اجتماعاته مع بعض المعارضين، ولا عيب فى الحوار بشرط أن يجرى فى العلن وأن تكشف كل الأطراف مواقفها. وربما -مع مزيد من الانزلاق السياسى فى ملفات متعددة- يأخذ نجل الرئيس فى التحرك علنا، ولكنه يحتاج -قبل ذلك- الى تهيئة إعلامية أوسع وأكبر تقدمه للرأى العام، وقد ثبت لفريق جمال مبارك أن الصحافة القومية غير قادرة على لعب هذا الدور، وبدأت الانظار تتجه، ورجال الأعمال من لجنة السياسات وحولها جاهزون، للضفة الأخرى من الصحافة المصرية. وتبدو الصورة -فى الكواليس- محزنة بأكثر مما يجول بخاطر أحد، فالهدف هو تدجين الصحف المعارضة للتوريث وإدخالها فى سوق البيع والشراء. صفقات لا خشونة فيها، مع كلام كثير عن حرية الصحافة متزامنا مع اغتيالها الفعلى. وهو تمهيد إضافى للأرضية السياسية لقبول التوريث والانزلاق اليه. غير أنه لحسن الحظ لا يمضى التاريخ المصرى وفق سيناريوهات معدة خطوة بعد أخرى، فمفاجأة واحدة قد تربك اللعبة كلها. قد تنزلق الأقدام والضمائر فى لحظات حسم وتقرير مصائر، غير أن الانزلاق إلى المجهول يتجاوز الافراد الى الأمم، ويطعن فى مستقبلها، والجريمة -هنا- لا تغتفر

No comments: