Tuesday, January 23, 2007

الدين في مرمى الصراع


د. رفيق حبيب ـ المصريون : بتاريخ 22 - 1 - 2007
الصعود الواضح للتيار الإسلامي في العديد من الدول العربية والإسلامية، جعل النخب الحاكمة والتي تحتكر السلطة، تحاول منع هذا التيار، ليس فقط من الوصول للسلطة ولكن أيضا من ممارسة العمل السياسي. ولأن مصر تمثل قلب العالمين العربي والإسلامي، فإن ما يحدث فيها يمثل حدثا مهما في التاريخ العربي والإسلامي. وأهمية الحدث الراهن أن النخب الحاكمة في مصر وضعت الدين عن قصد في مرمى الصراع السياسي بين النظام الحاكم والتيارات الإسلامية، وأصبح صراعها مع تلك التيارات يؤثر بالضرورة على دور الدين في حياة الجماعة المصرية. والغريب أن النظام فتح المعركة بدون تحفظات وعلى نطاق واسع، رغم أنه كان يتجنب الوصول لمرحلة تحديد دور الدين في الحياة العامة والحياة السياسية، وبالتالي دور الدين في التشريع.ولكن يبدو أن النظام المصري الحاكم يرى أن اللحظة الراهنة مناسبة، فهي لحظة الحرب على الإرهاب، والتي تحولت إلى حرب على كل التيارات الإسلامية، خاصة التيارات المعتدلة، فالتيارات المعتدلة تمثل البديل المنافس للأنظمة الحاكمة وهي القادرة على الوصول للسلطة من خلال الانتخابات، وهي القادرة على حشد الجماهير معها، ولهذا أصبحت تمثل خطرا على بقاء الأنظمة الحالية الموالية للحلف الأمريكي. لهذا تتمدد الحرب على الإرهاب خارج نطاق الجماعات المسلحة، لتصل إلى حركات المقاومة، ومنها تصل إلى الحركات السياسية المعتدلة. والجانب الأمريكي يرى أن المشروع السياسي الحضاري الإسلامي، هو من المشاريع المعادية لمصالحة في المنطقة، والمقصود بالطبع أنه من المشاريع التي لا يمكنها التحالف مع الحلف الأمريكي ضد مصالح الأمة. والنخب الحاكمة العربية في الغالب منها، متحالفة مع الإدارة الأمريكية، وتمرر السياسات الأمريكية في المنطقة، ولهذا فهي حليف قوي للغرب عامة والإدارة الأمريكية خاصة، وهي مدعومة من الغرب، وتحت حمايته الفعلية، وربما تحت حماية قواته العسكرية أيضا.هذه اللحظة التاريخية، والتي تشهد أكبر توسع للهيمنة الأمريكية على المنطقة، والتي تمتد إلى العديد من البلاد العربية والإسلامية، والتي تتحقق بالقوة العسكرية كما في أفغانستان والعراق والصومال، والتدخلات السافرة في لبنان والسودان وغيرها، والاحتلال الصهيوني في فلسطين، هي اللحظة التي ظنت النخب الحاكمة، ومنها النخبة الحاكمة المصرية، أنها اللحظة المناسبة لتأسيس احتكارها للسلطة، واختيار من يكون معارضا، وتحديد القوى التي تمنع من ممارسة العمل السياسي، والمقصود بها القوى الإسلامية، ولهذا أصبح الدين في مرمى الصراع.لهذا نرى أننا أمام موقف صدام حقيقي، لأنه يدور حول دور الدين في حياة الجماعة المصرية، ودوره في حياة الأمة العربية والإسلامية، ومن لا يعرف يقول أن دور الدين في حياتنا محوري وأساسي، وأن الحضارة العربية الإسلامية، وفي كل المراحل التاريخية السابقة عليها، وحتى في المرحلة الفرعونية، كانت حضارة تقوم على مقدس مركزي هو الدين. فعبر كل تاريخنا كان الدين هو الإطار العام الذي يقوم عليه النظام السياسي والاجتماعي، كان بمثابة الحكم الأعلى لكل الأنظمة والقواعد، وبالتالي الحكم الأعلى للدولة نفسها. فالدين هو القيمة المركزية في الحضارة العربية الإسلامية، وعليه فإن الدين يمثل القاعدة الأعلى في حياتنا، والتي لا يمكن الخروج عليها سواء في النظام الاجتماعي أو النظام السياسي. وهذا الوضع الراسخ للدين في حضارتنا، يجعل القيم الأساسية للحضارة مستمدة من الدين. وهنا علينا التأكيد على أن القيم الأساسية في كل الحضارات هي قيم مقدسة، أي أنها تمثل القيم الأساسية الحاكمة، والتي يقوم عليها الاجتماع البشري، ويقوم عليها النظام السياسي. ففي كل الحضارات توجد قيم لا يجوز الخروج عليها، وتوجد قواعد ومبادئ يتأسس عليها الدستور والنظام السياسي والدولة.والنظام المصري الحاكم يحاول جعل دور الدين في السياسة سلبيا، بمعنى أن وجود دور للدين في السياسة يؤدي إلى استخدام سلبي للدين، وعليه يجب عزل الدين عن السياسة. وهذا المعنى المغلوط، يعني أن المحافظة على الدين تستلزم تحييد الدين وعزله عن المجال العام، وعندما يعزل الدين عن المجال العام وعن الدستور والقوانين والعمل السياسي والسلطة التشريعية والتنفيذية، فإن الدين هنا لا يبقى القاعدة الحاكمة للحضارة، بل يتم جعله قيمة فرعية وليس قيمة أساسية، وتصبح هناك قيما أعلى منه تحكمه، تحت مسمى النظام المدني والدولة المدنية. وهذه الحالة ليست إلا العلمانية وهي في التعبير الدقيق الدنيوية، وهي تفترض وجود قيم عليا للنظام ولكن هذه القيم لا تنبع من الدين وأحكامه، بل هي قيم يتفق عليها الناس خارج إطار العقيدة والقواعد الدينية. بهذا تصبح معركة النظام المصري الحاكم هي تغيير دور الدين في حياة المصريين، وبالتالي تغيير القواعد والأسس التي قامت عليها الجماعة المصرية والتي قامت عليها حضارة هذه الجماعة، سواء في المرحلة الفرعونية أو المرحلة القبطية أو المرحلة العربية الإسلامية. وهذا التغيير ليس أمرا هينا، ولكنه في الواقع أمر خطير، وسيجعل الصراع السياسي الدائر، يتحول إلى صراع ثقافي وصراع حضاري شامل. ومن المهم التأكيد على أن عملية تحييد الدين بدأت مع ثورة يوليو، ولها جذور قبلها، ولكن وجه الخطورة الآن يكمن في تأسيس هذا التحييد للدين عن الحياة العامة، بعد أن كان يقوم بدور في الحياة العامة ولكن مع سيطرة النظام الحاكم على المجال الديني وتأثيراته على الحياة العامة. ونحن الآن أمام خطرين، خطر احتكار الدين من قبل السلطة، أو خطر تحييد الدين

No comments: