Sunday, January 14, 2007

إنها المصداقية أيها السادة !


بقلم د. عبدالمنعم سعيد ١٤/١/٢٠٠٧
يقع عبء ثقيل علي الحزب الوطني الديمقراطي في النقاش الدائر حول التعديلات الدستورية، وهو إقناع جميع الأطراف في الساحة السياسية بأن ما تقدم به من طلب تغيير وتعديل ٣٤ مادة دستورية سوف يخرج في النهاية بعد المناقشة والصياغة دولة أكثر ديمقراطية من الدولة التي نعيش في ظلها الآن.
فالحقيقة هي أن مشكلة الحزب ليست عما إذا كان واجبا تعديل المادة ٧٧ بحيث تقيد فترات مكوث رئيس الجمهورية في السلطة أم لا، أو تعديل المادة ٨٨ بحيث تكفل أو لا تكفل إشرافا قضائيا علي الانتخابات، ولكن قضية الحزب الأساسية هي إقناع الرأي العام بأن ما هو مطروح كاف لتحقيق تداول للسلطة يتم بعد فترة واحدة أو فترات متعددة -حسبما يري المواطنون في مسابقات حرة- وأن الانتخابات سوف تكون نزيهة فعلا سواء كان الإشراف القضائي كاملا علي كل صندوق أو جزئيا من خلال اللجان العامة.
هذه المشكلة لن يحلها أبدا ذلك الجدل الذي يجري بين الحكومة والمعارضة، وبالذات تلك النوعية من المعارضة التي ليس لها في الديمقراطية نصيب أو حظ، ولا يوجد لديها إلا استغلال الفكرة الديمقراطية والحريات العامة من أجل التجهيز لمجتمعات شمولية وفاشية. فما يواجه الحزب ومصداقيته،
تلك الأغلبية الساحقة من المصريين التي بقيت خارج صناديق الاقتراع المختلفة، ونسبتها لا تقل عن ٧٥% ممن هم في سن التصويت.. وتلك الغالبية الأكثر من ساحقة التي بقيت خارج دائرة النشاط العام بعيدا عن الأحزاب وتنظيمات المجتمع المدني وتقدر بأكثر من ٩٠% من المصريين،
تلك هي الساحة التي علي الحزب أن يوجه جهوده إليها، ويقنعها بأن التقاليد المصرية التي سارت في السابق وأدت إلي أن يقوم كل رئيس للجمهورية بتسليم السلطة للاحق له دون محاسبة أمام صناديق الاقتراع، ودون منافسة بين سياسات وطنية، لن تتكرر مرة أخري.
ببساطة إن قضية تداول السلطة ليست مجرد فترات رئاسية، وإنما هي الضمان الذي يمنع الجمود من التسرب إلي سدة الحكم، وهي التي تضمن توالي قدرات القيادة لدي الأجيال المختلفة حتي تستجيب لتحديات عصور جديدة، بدلا من الاستمرار والثبات علي اجترار الماضي والسأم من الحاضر.
ولن يحل المشكلة للحزب الوطني الديمقراطي كذلك إشهار الاستشهاد بالأوضاع في البلدان الأخري ،خاصة التجربة الفرنسية ،لأننا أولا لا نطبقها بحذافيرها حيث يتم انتخاب رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء معا، بينما لدينا يعين الأول الثاني ويعزله،
وثانيا لأن فرنسا ليست أروع الأمثلة، وهي الدولة التي غيرت نظامها السياسي خمس مرات خلال مائة عام تقريبا، وثالثا لأن لدينا من العجائب الدستورية ما لا تعرفه فرنسا ولا يعرفه العالم شرقا وغربا وشمالا وجنوبا.
فلم تعرف البلاد الرأسمالية ولا الاشتراكية ولا المختلطة فيما بينها شيئا اسمه نسبة الخمسين في المائة - علي الأقل- في المجالس المنتخبة من العمال والفلاحين، كما لم تعرف النظم السياسية التي درست في العالم، ولا الدساتير المعروفة في الدنيا، شيئا اسمه المجلس الأعلي للصحافة الذي يقع تحت سلطة مجلس الشوري.
ولكن الحزب الوطني الديمقراطي عليه أن يصل إلي الناس ويقنعهم بالمصداقية الديمقراطية للتعديلات الدستورية، وهو ما لن يحدث ما لم تتوافر في التعديلات ما يكفي من الناحية العملية لإقناع الشعب بالذهاب إلي صناديق الاقتراع، والمشاركة في الحياة العامة، وسواء تمت الانتخابات في يوم واحد أو عدة جولات،
فإن المسألة هي إدراك المواطن -بما لا يدع مجالا للشك- أن صوته قد ذهب إلي حيث يجب أن يذهب، أما إذا لم يقتنع المواطن فإنه لن يذهب إلي التصويت وساعتها سوف نعرف أن الحزب لم يقم بواجبه في إقامة الديمقراطية وأن كل التعديلات التي قدمها كانت مجرد غطاء لا يمت للحقيقة بصلة.

No comments: