بقلم د. أميرة أبوالفتوح المصري اليوم ٢١/١/٢٠٠٧
يشغلني دائماً ما يدور في الاجتماعات المغلقة بين المسؤولين، ولا أهتم كثيراً بما يعلنونه ويصرحون به أمام الصحفيين، فأعتبره كلاماً دبلوماسياً وتغطية لما جري وراء الكواليس داخل الغرف المغلقة، ولذلك أحاول أن أقرأه بشكل مختلف لعلي أصل إلي حقيقة ما تم في تلك اللقاءات المغلقة، ولقد كانت لقاءات وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس مع وزراء دول الخليج ومصر والأردن بالإضافة إلي محمود عباس، وتصريحاتهم من الوضوحب بما وفر علي عناء التفكير والتحليل والاستنباط للوصول إلي الحقيقة،
فحينما يخرج وزير خارجية مصر ويعلن أنه يؤيد الخطة الأمريكية في العراق ثم يعقبه وزير خارجية السعودية ويعلن مباركة المملكة لتلك الخطة، فماذا يعني ذلك غير أن أمريكا استعملت أوراق الضغط لديها تجاه تلك الدول لاصطفافها إلي معسكرها بأسلوب الابتزاز أو التهديد أو الترهيب لضمان الانصياع الكامل لأوامرها وخطتها في المنطقة خاصة أن الرئيس الأمريكي نفسه خص مصر والسعودية في خطابه الأخير قائلاً:
«علي مصر والسعودية ودول الخليج أن تدرك أن هزيمة أمريكا في العراق تعني تهديداً استراتيجياً لبلادهم!!» انتهي كلام بوش ولكن صداه مازال يجلجل في آذان قادة تلك الدول ويؤجج نفوسهم ويرعد أوصالهم، فالرجل كان صريحاً في كلامه، عفواً في تهديده، فإما أن تكونوا معي في حربي القادمة ضد إيران، وإما ستهلكون وتنتهي عروشكم، ولكم في صدام عبرة يأولي الألباب!!
ولذلك أرسل وزيرة خارجيته لكي يكون الكلام علي المكشوف كما يقولون، ولتوضح لهم حقيقة الوعد والوعيد وما لديها من أوراق قديمة وحديثة وكيف ومتي سيستخدمونها إذا ما لم تلب مطالبهم، لذلك جاء التأييد الفوري لخطة أمريكا من قبل هذه الدول علي الرغم من علمها أن تلك الخطة ستكون أكثر شراسة وستؤدي إلي المزيد من الدمار والخراب والقتل في العراق،
وعلي الرغم أيضاً من أن كل النواب الديمقراطيين في الكونجرس وبعض الجمهوريين أيضاً يرفضونها، لقد شاهدت كوندوليزا وهي تجلس أمام هؤلاء النواب في لجنة الاستماع بالكونجرس وهم يهاجمونها ويوبخونها علي سياستها التي أضرت بصورة ومكانة أمريكا في العالم، ولكنها استقبلت في العواصم العربية استقبال الفاتحين الأبطال!
لقد أراد بوش أن يستعين بحلفائه العرب لمواجهة خصومه السياسيين في الداخل في مقابل أن يغض الطرف عما يجري في بلادهم من انتهاكات لحقوق الإنسان وكبت للحريات، انتهي كل ذلك من أجندته فلم تعد تحمل بين صفحاتها أي كلمة عن الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات وما إلي ذلك مما كان يهدد به حلفاءه بالأمس القريب وليس البعيد،
الآن أصبح كل همه وشغله الشاغل تجييش هذه الدول ضد إيران، زاعماً أنها الخطر الأكبر علي المنطقة وبالأخص دول الخليج والسعودية، معطياً الملف النووي أبعاداً أكثر بكثير من حقيقته، فإيران من حقها الحصول علي البرنامج النووي للحصول علي الطاقة، خاصة أن ما لديها من مخزون قد قرب من النفاد، وهذا البرنامج سلمي حتي إذا لم نصدق ما يعلنه المسؤولون الإيرانيون جدلاً من سلمية برنامجهم هذا، فإن إيران لا تملك تكنولوجيا القنبلة النووية،
إذن فلا يمكن تصنيعها، وحتي إذا افترضنا جدلاً إمكانية نجاحها وحصولها علي هذه التكنولوجيا بعد سنوات، فإنها لن توجه ضد الدول العربية بل ستخلق توازناً في المنطقة، علي اعتبار أن إسرائيل تملك الآلاف من الرؤوس النووية، فلماذا هذا الخوف والهلع من إيران وغض البصر عن إسرائيل بل ومباركة سلاحها النووي؟!
إن أكبر خطأ تقع فيه الدول العربية حالياً هو الانجرار وراء أمريكا والانصياع لأفكارها ومباركة خططها، فإيران ليست عدونا؟،
والإيهام بأنها الخطر الداهم علي الأمة العربية كذب وافتراء وتمويه للحقيقة الراسخة في عقولنا وذاكرتنا جميعاً بأن إسرائيل هي عدو الأمة العربية، وهي الخطر الحقيقي علي أمتنا، والذين يحاولون صرف الأنظار عنها لنتفرغ لمحاربة عدو وهمي من صنع أمريكا ربما، بل هو بالتأكيد عدو أمريكا، ولكنها -إيران- ليست عدواً للدول العربية، ويجب أن يدرك القادة العرب خاصة قادة مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن تلك الدول التي تسميها أمريكا بالدول المعتدلة، مدي خطورة المستنقع الذي يريد بوش جرها إليه،
لقد سبق لريجان أن جرها لتمويل الحرب العراقية ضد إيران، وهو بالمناسبة من نفس مدرسة بوش الأصولية التي تعتنق المسيحية الصهيونية كمنهج أيديولوجي، أعود فأقول إن إيران ليست البعبع الذي يحاولون تصويره وتسويقه للعالم العربي، فهي لم تهدد أي دولة عربية بل إن العراق العربية هي التي شنت عليها الحرب بأوامر أمريكية وبمباركة عربية خشية من نفس المزاعم التي ترددها أمريكا الآن، تصدير الثورة الإسلامية والمد الشيعي في المنطقة!!
فهل تعلم القادة العرب من الدرس الماضي الذي استنزف ثروات الأمة وقدراتها علي مدي ثماني سنوات، وأدي إلي ما أدي بعد ذلك من احتلال الكويت وتمزيق الأمة، ثم الكارثة الكبري وهي الغزو الأمريكي للعراق واحتلالها، والذي ساهمت فيه الدول العربية بشكل أو بآخر بنسب متفاوتة من استخدام أراضيها للعدوان،
أو بناء قواعد عسكرية فيها، أو استخدام مطاراتها أو موانيها أو قنواتها لعبور الأساطيل الحربية، أو أموالها لتدبير النفقات العسكرية، وحتي بصمتها الخجول وغض البصر عما يحدث وكأن الأمر لا يعنيها..إلخ، الكل شارك في الجريمة، فهل هم مستعدون مرة أخري لارتكاب نفس الجريمة ضد إيران إكراماً لبوش ذلك المعتوه المقامر.
وإنقاذاً لعزلته التي أصبح يعاني منها بين شعبه الذي أصبح يرفضه ويرفض استراتيجيته الجديدة التي رحبت بها الدول العربية المعتدلة.. عجبي!!
تعجب من هذا الزمان الذي أصبح فيه العدو صديقاً وحليفاً يستعين به الأخ ضد أخيه، وبعضنا ضد بعض، ولكن لماذا نعيب زماننا والعيب فينا! يارب ارفع مقتك وغضبك عن الأمة الإسلامية.
No comments:
Post a Comment