د. حلمي محمد القاعود -- المصريون : بتاريخ 13 - 1 - 2007
معالي الوزير "زقزوق" زعلان من أئمة المساجد الذين "سوّدوا " أيامنا بذكر جهنم والجحيم والقبر وعذابه في خطبهم ومواعظهم ، ولم يفتحوا للناس بابا للأمل في النجاة من النار والفوز بالجنة ! والوزير معه حق في قوله ، ولكنه حق ناقص ؛ لم يكمله معالي الوزير ، وهو السبب الذي جعل الأئمة المساكين " يسوّدون" أيامنا ، ولا يبيّضونها . بالتأكيد فإن معاليه يعرف السبب جيدا ولا يريد أن يقوله . وأسمح لنفسي أن أقوله نيابة عنه ليكون الناس على بيّنة من أمرهم ، ولكي لا يأخذ السادة كتاب لاظوغلي والمارينز العرب واليسار المتأمرك وخصوم الإسلام من كلام معاليه ذريعة فيطلبون إليه أن يخطو خطوة أخرى بعد تأميمه للمساجد في مصر كلها ؛ حتى الزوايا الصغيرة ، وبسط هيمنة النظام البوليسي الفاشي عليها ، فيأمر بإغلاق المساجد إغلاقا كاملا شاملا – كما فعل "لينين"في الاتحاد السوفيتي وتحويلها إلى مسارح للثقافة الجماهيرية أو دور للسينما أو محلات للترفيه ؛ فلا يذكر فيها كلام عن جهنم أو الجحيم أو القبر أو النار .. ولا تسودّ أيام الجماهير السعداء بالرخاء ورخص الأسعار وتقدم العلاج وتوفر المساكن والمواصلات واتساع الشوارع والطرقات ، فضلا عن الاستمتاع بالحرية والكرامة والديمقراطية والعدل والمساواة ..!بيض الله أيامك يا صاحب المعالي .. فقد نسيت أن الدولة صارت تعتنق النظام الاقتصادي الحر ، أي الذي يقوم فيه الأفراد بتمويل الأنشطة المختلفة : إنتاجية ، خدمية ، لوجستية ، دعوية ، ثقافية ، زراعية ،صناعية ، تجارية ، أهلية ، اجتماعية ، رياضية ، أمنية .. ولكنك مع وزير الدعاية ( تلفزة ، إذاعة ، صحافة ) ووزير الحجاب – أقصد الثقافة – تصرّون على اعتناق النظام الشمولي الذي يؤمن بالاشتراكية العلمية التي تعتمد على التأميم والتنفيذ وفقا لآليات بوليسية فاشية ، وترفضون أن يقترب أحد من الكفاءات الفاعلة المبدعة من وزاراتكم .. لا العلم ولا الفكر ولا التفوق ولا الإبداع تؤهل أصحابها للاقتراب من مملكاتكم المقدسة ، ولكن المؤهل الأول والأخير هو رضا "الأمن " - أي البوليس- يجعل الأمّي إماما وخطيبا ومفكرا وإعلاميا .. وأظنك يا معالي الوزير- الذي أكسبه هذا الوضع لقب "جنرال"- تذكر أن من لا يحمل تصريح " الأمن " لا يجوز له أن يصعد المنبر ويخطب في الناس لصلاة الجمعة ، ولو كان مثلك يحمل درجة "أستاذ" جامعي تسبقها الدكتوراه والماجستير والليسانس، وثقافة علمية بعمر الزمان ، وبعثة إلى بلاد " التنوير " تصنع وعيا بثقافة الآخر وخطابه ومفاهيمه!ثم إنك يا معالي الجنرال- بيض الله أيامك – تعلم أن الأوامر البوليسية التي تصدرها للأئمة لم تبق لهم شيئا يقولونه ، غير الكلام عن الموت والآخرة وسقر ، وما أدراك ما سقر؟ هل تعتقد مثلا أنهم يستطيعون الكلام عن فساد الحزب الوطني وأعيانه وضرورة مكافحته لتحلو الحياة وتبتسم الدنيا ؟ هل يمكنهم مثلا أن يتناولوا صاحب عبارة الموت الذي خلف أكثر من ألف غريق فأدخل الحزن والقهر والهم والغم على سبعين مليونا من المصريين ،ويطلبون من صاحب العبارة وأمثاله الخوف من الله حتى تزدهر الدنيا وتخضر ؟ هل يمكنهم مثلا أن يتحدثوا عن العدل والشورى وكرامة الإنسان والحرية ، في مقابل الظلم والاستبداد والتعذيب وتقييد البشر بالأحكام العرفية والقوة الغشوم ؟هل يمكنهم مثلا أن يتكلموا عن فساد وزارة المواصلات التي تترك قطاراتها تتصادم وتقتل العشرات ، وتسيل دماءهم وكأنهم مجرد صراصير في مراحيض مسجد أممه وزير الأوقاف ، ولا يجد من ينظفه ولا يهتم به؟هل يمكنهم مثلا أن يناقشوا الهجوم الرخيص الذي يقوم به " مثقفو الحظيرة " ممن يسمون أنفسهم " مستنيرين" ضد الإسلام والمسلمين ؛ إذا كان وزيرهم نفسه ؛ يحاول أن يبدو " مستنيرا ، وتقدميا " ؛ فيطرد مرشدة إسلامية منقبة من لقائه بالمرشدات ؛إذا لم تخلع النقاب ، لأنه لا يؤمن به ، ويراه أمرا غير لائق ، وهامشيا ، وهو ما يسرّ كتاب " التنوير " ويسعدهم ، ويجعلهم يصفون معاليه ب " الوزير المستنير " ، مع أن معاليه يعلم أن التنوير كما درسه في " ألمانيا " الشقيقة ؛ يعني عدم الاعتراف بما وراء الواقع أو التجربة أو المادة ، أي عدم الإيمان بالغيب أو الوحي أو الإله !وبالطبع ، فإن معالي الوزير – بيض الله أيامه – يستمتع بلقب الوزير المستنير ، على العكس من أولئك الأئمة " الظلاميين " الذين يسودون أيامه وأيامنا ، ويعلن بالفم الملآن أن النقاب مسألة هامشية .. ولن نسأله لماذا لم تسع سماحته المرأة المنقبة ، وهو يعلم أن النقاب أولا حرية شخصية ، وثانيا فإنه لا يحول بين المرأة وبين النساء من جنسها حين ترشدهم دينيا، لأن النساء فيما بينهن لا يتنقبن ، وثالثا فهو يعلم أن هناك شيئا اسمه الورع ، ورابعا فهو يعلم أيضا ، أن المرأة إذا خافت الفتنة أو إظهار القبح لا ضير عليها أن تتنقب حتى لا تثير الناس أو تعرّض نفسها للهمز واللمز من الرجال أو النساء .فضيلة الدكتور الوزير مشغول بالأمور الإستراتيجية ، وليس الهامشية ، ومنها مطالبته بفرض "كوته " للنصارى في المجالس النيابية والمحلية حتى يشاركوا إخوانهم المسلمين في بناء المجتمع .. وفضيلته يعلم أن الدول المتقدمة المستنيرة ، وفي مقدمتها ألمانيا الشقيقة ؛ لا تفرض "كوته " للمسلمين هناك ، وعددهم يزيد عن عدد النصارى في مصر ، وليست لديها حساسية من إقامة أحزاب على أساس ديني ، والحزب الديمقراطي المسيحي ، الذي تقوده الست " ميركل " أشد اعتزازا بالمسيحية من الأحزاب الدينية اليهودية المناظرة في الكيان النازي اليهودي الغاصب في فلسطين المحتلة !ليس لدي سرّ لمعرفة اهتمام معالي الوزير ب" الكوتة " ، ولعله يعلم أن مصر المسلمة ( كل مواطنيها مسلمون بالعقيدة أو الحضارة ) من أسمح دول الأرض ؛ حين جعلت أكثر من رئيس وزراء غير مسلم ( نوبار الأرمني – بطرس الجدّ )يقود حكومتها ويصنع سياستها ، ولم تجد غضاضة على مدى تاريخها في تعيين وزراء نصارى ويهودا في أهم وزاراتها ، بل إنها في عصرنا الراهن لم تجد حرجا في أن يكون "الأنبا شنودة "رئيسا موازيا يقود دولة للنصارى داخل الدولة القبطية الكبرى التي تضم كل سكان مصر ( مسلمين وغيرهم ).. وهو أي الأنبا يحمي رعاياه عند اللزوم ، وعندما ضرب الشباب النصراني رجال البوليس المصري مثلا وأحدثوا بهم إصابات بالغة في مظاهرات الكنيسة المعروفة ؛ وقبض على بعضهم ، فإن "الأنبا " اعتكف " حتى يتم الإفراج عنهم .. وبالفعل تم الإفراج ، واعتكف " حين أسلمت وفاء قسطنطين وأخريات ، ولم ينه اعتكافه حتى تم تسليمهن له ليعاقبهن بمعرفته ، واعتكف .. حين .. وحين .. ولكن معاليك مع شيخك ، ورئيس الجامعة الطيب ، لم تعتكفوا من أجل الأولاد الذين لعبوا الكاراتيه والكونغ فو ،وعددتموهم ميليشيا ، وطالبتم برقابهم ورقاب آبائهم والمنتمين إليهم ، وكي تكونوا "مستنيرين " حقا وصدقا قررتم تنقية المناهج في الجامعة ( من إيه يا ترى؟)، ومراقبة الأساتذة ، وشد آذان كل من يخالف أوامركم ( المتسامحة ) التي تقبل (الآخر ) وتتسامح معه !بيّض الله أيامك يا جنرال؛ فقد أوشكت مساحة المقال على الانتهاء ، وكنت أود أن أثرثر معك بوصفك مستنيرا يرضى عنه مثقفو الحظيرة ( أي مثقفي وزارة الثقافة وأنصار وزيرها الذي يعمل بجد لتغريب الوطن ، وإحلال ثقافة بديلة للثقافة الإسلامية ) .. فمعذرة يا صاحب المعالي
No comments:
Post a Comment