بقلم نصر القفاص ـ المصري .. يوم ١٦/١/٢٠٠٧
أحكم الجهلة والسفهاء قبضتهم علي مقاليد الأمور.. تعاظم نفوذ قصار القامة وعديمي الكفاءة.. فاختلط الحابل بالنابل.. وأصبح الكاذب هو الصادق.. وانقلب الخائن إلي إمام للمخلصين.. وتحول الانتهازي إلي نموذج يحتذي.. وجعل الناس المرتشي «مانيكانًا» يعرضون عليه طموحهم!! تواري العلماء.. أخفي الشرفاء شرفهم.. تراجع الموهوبون إلي الصفوف الخلفية.. تخلص أصحاب الحق من الطموح، كأنه ثياب لا يشبهها غير أكياس الدم الملوثة!!
عشنا زمنًا تجرعنا فيه السموم عبر المبيدات المسرطنة.. رأينا البشر يحترق في قطارات تجري كأنها جهنم.. وانقلبت لحظات الاستمتاع بفن المسرح، إلي أتون نار تشوي العامة والمبدعين.. عاث «التوربيني» فسادًا في الأرض، دون أن تضبطه عيون الأمن.. وسقط بقانون الصدفة!!
وتخرج من تحت قبة البرلمان «نواب سميحة» و«القروض» و«نهب البنوك» و«الدم الملوث» دون داع لذكر «تجار الكيف»!! ودارت عجلة الأحداث بأسرع مما يستوعب العقل.. فرأينا موظفي حكومة تدعي الفقر، يتقاضون عشرات الآلاف من الجنيهات.. ويحملون فوقها درجة «مستشار» في مقتبل عمرهم!!
لأنهم محظيون عند الوزراء وكبار المسؤولين.. واتسعت المسافة بين راتب الزميلين في المهنة الواحدة، وأصحاب السن الواحدة.. لتصبح واحدًا إلي مائة.. والفارق بينهما أن هذا كفء، وذاك مأمون الجانب يحمل «مؤهل النفاق» العالي مع «مرتبة الكذب»!!
ضاعت الحقيقة، فاحتفل الأقزام بأنهم عمالقة.. جاهرنا بحربنا ضد العلم.. نفاخر بقتالنا للتقدم.. نجود العشوائية والخداع والنصب.. أطلقنا العنان للعميان، وانتظرنا بشراهم برؤية هلال الأمل في عز الظلمة!! انشغلنا «بالنميمة» واعتبرناها ثقافة.. راودنا الانحطاط عن أنفسنا، فكان نعم الغواية!!
ضجرنا بالتاريخ فحاولنا حرقه.. قفزنا علي الحاضر، لتلهفنا علي الهاوية التي نراها مستقبلنا.. رفعنا «الراية البيضاء».. أكدنا استسلامنا.. اعترفنا بصعوبة المواجهة مع «تكنولوجيا الفساد» المتطورة بسرعة تتجاوز سرعة تطوير برامج الكمبيوتر!! صفقنا للسقوط المدوي واحتفينا بكل ضئيل يتقدمنا.. واختصارًا علي طول هذه المقدمة.. رضينا بكل المر والعلقم، فإذا بهما يرفضان قبولنا لهما!!
هكذا فكرت وضبطت نفسي مستغرقًا، خلال أيام صمت رائعة عشتها بعيدًا عن الوطن. حاولت عدم تصديق الحقيقة.. سخرت من رؤيتي لما يدور حولي.. اتهمت نفسي بالتشاؤم.. فكان أن تمسكت بالاتهام.. قررت العودة أدراجي، متسلحًا بالأمل وضاغطًا علي زناد التفاؤل.. فأمثالي من أعضاء «الجالية المصرية في القاهرة» غير مسموح لهم بالحزن.. مكتوب عليهم الحرب، حتي ولو كانت ضد «طواحين الهواء».. عالجت أمراضي بالإصرار علي قول كلمة الحق،
مهما كان ثمنها.. انطلقت في الممارسة، فإذا بصافرات الإنذار تدوي من حولي.. كل من يرفضون الواقع المؤلم والمجنون.. يحذرونني من الصدق، وتعريف كل شيء باسمه.. طالبوني بتقليدهم.. أشكو الظلم وأمارسه.. أصرخ من الجهل، ثم أستغرق في استيعاب دروسه !!
قالوا لي إذا أردت أن تستريح.. حاول أن تكون اثنين أو ثلاثة.. وكم هو رائع أن تحاول التفوق، فتكون أربعة أو عشرة أشخاص داخل الجسد الواحد!! أمام رئيسك قل ما يرضيه.. وخلف ظهره صب عليه اللعنات.. وقع بالموافقة علي الفساد، وارفع صوتك رافضا الفاسدين.. اكذب ثم اكذب وجود الكذب..
حتمًا سيصدقك الآخرون.. فكلهم كذابون!! صحوت في يقظتي.. رأيت ضوءًا في آخر النفق.. هؤلاء الشباب الذين انصرفوا عن المجتمع.. عقدوا العزم علي البناء من جديد.. سمعتهم فأدركت أنهم أكثر وعيا من كل الذين يتهمونهم بالسطحية.. وافقوني علي خيالات التشاؤم، وطالبوني بأن أنضم إلي قطار تفاؤلهم!! هنا فقط يجب أن أعترف بأنني عاجز عن ضبط أفكاري.. فكانت «الشخبطة» في سطوري السابقة..
فهل لكم أن تسامحوني.. باعتباري عائدًا من دولة اسمها «ماليزيا» أفقدني تقدمها القدرة علي التركيز!!
No comments:
Post a Comment