Sunday, January 07, 2007

عملية شنق صدام


بقلم د. عبدالمنعم سعيد
تابعت ما جري منذ صدور الحكم بالإعدام علي صدام حسين حتي تم شنقه بالطريقة التي تمت بها، ولكن ما كان كاشفا لعقل الأمة كلها فقد كان متابعة من تابعوا الحدث. وكانت البداية عندما طرحت مسألة محاكمة الرجل، وكان الخيار ساعتها بين محاكمته في العراق أو وضعه أمام محكمة دولية مماثلة لتلك التي حاكمت الذين ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية في البوسنة وكوسوفو وسيراليون وغيرها.
وكان رأيي الذي كتبته وقتها هو تفضيل الحل الأخير لأنه كان الضامن لمحاكمة عادلة من ناحية ولأنه لن يتضمن حكما بالإعدام من ناحية أخري. ولم يكن ذلك شفقة علي الرجل بقدر ما كان شفقة علي العراق التي كان الهم من ناحيتها أن تشفي جراحها وأن تبني جسورا لما يعتريها من انشقاقات وانكسارات. فقد كان واضحا لكل من يري أن الأحقاد والضغائن في بغداد لا تتحمل سببا لحقد جديد، وضغينة أخري بعد انقسام الشعب العراقي بين مؤيد للغزو الأمريكي ومعارض له، وبين باك علي زوال حكم البعث وكاره للنظام الجديد.
وهكذا كان موقفي سياسيا ومتطلعا لبناء المستقبل أكثر منه تصفية لحسابات الماضي، وكان ذلك الموقف الأخير تحديدا هو محور النقاشات التي تلت عملية الإعدام سواء الأغلبية الساحقة التي استنكرته، أو الأقلية الملحوظة التي هللت له.
وقد لفت النظر ذلك الإحساس الهائل بالعار لدي من كتبوا أو أصدروا البيانات أو حتي من جلسوا علي موائد طعام العيد حيث قيل كيف يمكن إعدام رئيس عربي فجر يوم كريم. وبالنسبة لي بدا الأمر مدهشا لأن أحدا لم يشعر بالعار أو الخجل أو الاستنكار حينما لم يستثن صدام أياما ولا ليالي مقدسة أو غير مقدسة من عمليات الإعدام الجماعية التي ارتكبها وشملت جماعات سياسية وطائفية.
ولم يتساءل أحد أبدا عن نصيب الأمة من المسؤولية عن ظهور زعماء يدفنون الضحايا أحياء، ويعذبون معارضيهم حتي الموت، ويقطعون ألسنة ويجدعون أنوفاً، ويحدث كل ذلك بينما تصفق الشعوب وترقص احتفالا واحتفاء بقادة وضعوا أنفسهم في مقاعد الآلهة. كما لم يطرح أحد سؤالا واحدا عن مدي تحمل صدام مسؤولية ما يجري في العراق اليوم، وهو الرئيس الذي أعطاه الشعب العراقي- حسب قول صدام - ١٠٠% من الأصوات ولكنه كان هو الذي قاده إلي الهزيمة والاحتلال والفتنة الطائفية.
وببساطة كان النفاق العربي جماعيا وعاجزا عن استقراء أصل القضية، وبالتالي كان فاشلا في استقراء مستقبلها، ولن يكون مدهشا تكرار المستقبل لما يجري في الحاضر. ولكن النفاق لم يكن عربيا فقط، بل كان أمريكيا أيضا عندما قيل إن صدام قد حصل علي محاكمة وعدالة لم يعطها أبدا لأي من خصومه أو بمعني أدق من اعتبرهم خصومه.
ولاحظ هنا أن أحدا لم يقل إن صدام قد حصل علي محاكمة عادلة، وإنما علي نوعية معينة من المحاكمة ومن العدالة كان مقياسها ومعيارها وسقفها هو ما وضعه صدام نفسه، وهو معيار ومقياس وسقف لا صلة له بالعدالة من قريب أو بعيد.
ولم يحل المشكلة استحضار الثقافة السياسية العراقية التي تعودت علي سحل الملوك والرؤساء والقادة وأعوانهم في الشوارع والتمثيل بجثثهم، واعتبار ما جري لصدام من محاكمة ومعاملة نوعا من الارتقاء والارتفاع إلي ذري جديدة من المدنية.
لقد انتهي فصل الآن من تاريخ العراق، وكما هو الحال في كل الفصول فإن شخصا ما يمثلها ويعطيها وجها وصورة وشخصية، وقد كان صدام مثلا صافيا لمرحلة عربية بأكملها تراوحت فيها نسب الفشل والإخفاق وكلها كانت تحت شعارات زاعقة وصاخبة.
ولم يوجد في رد الفعل العربي علي إعدام صدام دال علي نهاية الشعارات أو ما يعطي الانطباع أن المرحلة انتهت وأن الستار قد أسدل علي مسرحية طالت أكثر مما ينبغي!.

No comments: