بقلم د.حسن نافعه ١٤/١/٢٠٠٧
كان من اللافت للنظر أن تحظي مصر والسعودية ودول الخليج بفقرة كاملة في الخطاب الذي ألقاه الرئيس الأمريكي جورج بوش مساء الأربعاء الماضي، وخصصه لشرح الأبعاد المختلفة لاستراتيجيته الجديدة في العراق.
قصد بوش من هذه الفقرة إظهار الإصرار علي النجاح في العراق وتأكيد عزم الولايات المتحدة علي تكريس مواردها وطاقاتها الدبلوماسية لضمان الحصول علي دعم وتأييد دول المنطقة للحكومة العراقية. لكنه لم يكتف في الفقرة المشار إليها بتوجيه نداء إلي دول عربية خصها بالاسم لحثها علي التعاون وتقديم الدعم للحكومة العراقية أو لبيان سبل وآليات هذا الدعم، وإنما وجه إليها إنذاراً أخذ شكل التحذير من عواقب الهزيمة الأمريكية في العراق حين قال بالنص: «علي دول الخليج و السعودية ومصر أن تدرك أن هزيمة أمريكا في العراق سوف تجعل من هذا البلد مرتعًا للمتطرفين، ومصدر تهديد استراتيجي يتعذر معه المحافظة علي بقائهم».
وأعلن بوش في الفقرة ذاتها أن وزيرة خارجيته كوندوليزا رايس تستعد للتوجه إلي المنطقة «للمساهمة في عملية بناء التأييد للعراق ولتسريع الجهود الرامية لتحقيق السلام في الشرق الأوسط».
والواقع أننا إذا حاولنا أن نترجم ما قاله بوش إلي لغة أخري غير تلك اللغة الدبلوماسية المراوغة، والتي عادة ما تجهد نفسها في مناسبات كهذه للتعبير عن أكثر المعاني خسة بألطف العبارات وأرقها، فسوف نجد أنه يريد أن يصرخ في وجه حلفائه العرب قائلا: «لا تتصوروا أيها السادة أن بوسع أنظمتكم الاحتفاظ بقدرتها علي البقاء إذا ما هزمت الولايات المتحدة في العراق،
ولذلك أنصحكم بالتعاون لتحقيق الاستقرار هناك وإلا فسوف تهلكون أنتم أيضًا، ولن يكون بمقدور أحد منكم النجاة بمفرده، ولن أسمح بأن أغرق وحدي في مستنقع العراق، فإما أن نطفوا وننجو معاً أو نغوص إلي القاع ونهلك معا!».
ثم يستطرد قائلاً: «وسوف أرسل لكم بمبعوثتي كوندي علي وجه السرعة وسوف تقدم لكم قائمة بما يتعين عليكم أن تقوموا به للتعاون معنا في الجهود الرامية لمعاقبة الدول التي تحول دون تحقيق الاستقرار في العراق، وعلي رأسها إيران، ولن أقبل هذه المرة أساليبكم المراوغة التي اعتدتم عليها!».
لا أعتقد أنني أبالغ كثيرا إذا قلت: إن الرئيس بوش لا بد وأن يكون متوترًا وفي حالة عصبية شديدة هذه الأيام، بعد أن بدأ يدرك أنه في طريقه بالفعل لخسارة الحرب في العراق. فالاستراتيجية الجديدة التي أعلن عنها في الخطاب الذي أشرنا إليه لا يمكن أن تصدر إلا عن شخص يتحول تحت ضغط التوتر العصبي من مغامر إلي مقامر قرر أن يلعب بكل ما تبقي له ليكسب ما قد يعوضه ولو جزئيا أو فليخسر كل شيء.
كان بوش كان قد اضطر، تحت ضغط رأي عام أمريكي يتزايد قلقه مما يجري في العراق ومن تأثيراته المحتملة علي صورة ومكانة الولايات المتحدة في العالم، إلي القبول بتشكيل لجنة مشتركة من الحزبين الجمهوري والديمقراطي لدراسة الوضع في العراق برئاسة جيمس بيكر ولي هاملتون.
وبعد أن انتهت اللجنة من دراستها نشرت تقريرًا ضمنته ٧٨ توصية للخروج من المأزق في العراق تدور جميعها حول كيفية إعادة تحديد مهام وتشكيل القوات الأمريكية بما يسمح بخفضها التدريجي ومن ثم عودة معظمها مع نهاية الربع الأول من عام ٢٠٠٨، وفي تقديري أن أهم ما توصل إليه التقرير، صراحة أو ضمنا، يتلخص في استنتاجين رئيسيين.
الأول: أنه كان بوسع الولايات المتحدة شن الحرب علي العراق بقرار منفرد لكنها لم تعد قادرة علي الخروج من وحله منفردة، وبالتالي أصبحت تحتاج إلي عون الآخرين لإنقاذها مما هي فيه!. ومن هنا توصيه التقرير بضرورة الانفتاح علي سوريا وإيران.
الثاني: أن أزمات الشرق الأوسط مترابطة ومن ثم فلن يكون بوسع الولايات المتحدة العثور علي مخرج مشرف من أزمة العراق بأقل خسائر ممكنة ما لم تقدم علي معالجة هذه الأزمات بشكل متزامن، خاصة ما يتصل منها بالصراع العربي - الإسرائيلي وبالأزمة اللبنانية. من هنا توصية التقرير بأن تكثف الولايات المتحدة علي الفور من جهودها للتوصل إلي تسوية سريعة للقضية الفلسطينية.
ولأن صدور التقرير تزامن مع نجاح الحزب الديمقراطي في السيطرة علي الكونجرس بمجلسيه النواب والشيوخ بعد فوزه في انتخابات التجديد النصفي التي جرت في نوفمبر الماضي، والتي أكدت بدورها أن الرأي العام الأمريكي يرغب في رؤية استراتيجية جديدة في العراق، تسمح للجيش بالعودة خلال فترة زمنية معقولة، فقد بدأت الضغوط تتزايد علي الإدارة لتغيير سياستها بحثًا عن مخرج مشرف من الوحل العراقي الذي غرست نفسها فيه. وفي هذا السياق بدا أن تقرير بيكر - هاملتون يمكن أن يشكل أرضية لاستراتيجية بديلة تقوم علي توافق بين الحزبين.
غير أن بوش راح، بدلا من ذلك، يناور للالتفاف حول التقرير وإجهاض ما ورد به من توصيات، لينهي به مناوراته إلي استراتيجية معاكسة تماما قرر علي إثرها زيادة عدد القوات الأمريكية، بدلا من خفضها، وإرسال قطع بحرية إلي منطقة الخليج للمساعدة في حماية القوات والدول الصديقة من خطر الصواريخ المعادية!. وبدا واضحًا أن هذه الاستراتيجية تستهدف بشكل خاص محاصرة وتضييق الخناق علي سوريا وإيران، بدلا من الانفتاح عليهما.
ها هي كوندي تعود إذن إلي الشرق الأوسط لتجده في حالة فوضي عارمة، وأظن أنه لن يكون بوسعها أن تدرك أن هذه الفوضي لا تنطوي علي أي شيء خلاق، كما كانت تعتقد، وباتت تنذر بحريق هائل سوف يأتي علي كل شيء، وأنها ستستمر علي نفس النهج الذي أوصل المنطقة إلي هذا الوضع الكارثي، وبالتالي سوف تحاول إقناع ملوك ورؤساء دول الخليح والسعودية ومصر بأن إيران هي مصدر الفوضي ورأس الثعبان في المنطقة الذي حان قطعه، وأن عليها أن تتعاون وأن تقدم المال والتسهيلات!.
لست أدري كيف سيرد القادة العرب علي مطالب كوندي، ولست واثقًا من أنهم تعلموا الدرس أو حتي يريدون أن يتعلموه. غير أنني كمواطن لا أملك هنا سوي تذكير هؤلاء القادة بأمرين.
الأمر الأول: أن الغزو الأمريكي للعراق هو أكبر عملية سطو مسلح حدثت في التاريخ وتسبب حتي الآن في قتل مليون إنسان بريء، وأن رئيس العصابة التي دبرت وخططت لارتكاب تلك الجريمة ما زال مصرًا علي المضي قدما في خططه، إلي أن يستولي علي الكنز الذي حارب من أجله (النفط). وقد نقل عنه مؤخرا قوله إنه لن ينسحب من العراق حتي لو انفض الجميع من حوله وبقي وحيدا مع زوجته وكلبه!. ومساعدة هذا المعتوه في تنفيذ خططه تعني المشاركة في كل ما ارتكبه وما سيرتكبه من جرائم.
الأمر الثاني: أن هذا الرجل يبدو معزولاً حتي من شعبه، حيث يعارض الرأي العام والأغلبية الديمقراطية في الكونجرس استراتيجيته الجديدة بشدة، وليس من الحكمة في شيء تأييد سياسة رجل مقامر عبر شعبه صراحة عن رفضها، حتي ولو كان مازال من الناحية القانونية هو الرئيس الشرعي والفعلي للبلاد.
إن فترة العامين القادمين فترة حساسة جدًا، خصوصًا في ظل رجل من هذا النوع علي رأس البيت الأبيض. وفي تقديري أن أخطر ما يمكن أن يحدث في المنطقة خلال العامين القادمين هو نجاح الإدارة الأمريكية الحالية في إقامة تكتل عربي متحالف معها في مواجهة إيران.
ومن المعروف أن هذه الإدارة تروج منذ فترة للفكرة القائلة بأن إيران تقود «تحالف متطرفين» في المنطقة، تشارك فيه سوريا وحزب الله وحماس والجهاد، وهو ما يستدعي إقامة «تحالف معتدلين» في مواجهته تشارك فيه مصر والسعودية والأردن.
وبوسع أي لبيب أن يفهم بالإشارة أن إسرائيل هي المرشح الطبيعي لقيادة تحالف المعتدلين في هذه المرحلة. فإذا قدر لتلك الجهود أن تكلل بالنجاح فسوف يجد العالم العربي نفسه محشوراً في عملية استقطاب، وموزعا بين محورين تقود أحدهما إيران بينما تقود الآخر إسرائيل.
ولا جدال في أن الطرف العربي سيكون الخاسر الأكبر في أي مواجهة بين المحورين بصرف النظر عن الطرف المنتصر فيها، لأن الفائز سيكون إما إيران وإما إسرائيل!. وتشير تقارير صحفية عديدة صدرت مؤخراً إلي أن إسرائيل تمضي قدما في خططها الرامية لتوجية ضربة عسكرية تستهدف إجهاض مشروع إيران النووي في حالة ما إذا تقاعست الإدارة الأمريكية عن توجيهها بنفسها.
علي الدول العربية أن تكون حذرة وأن تتقن فنون المناورة في المرحلة القادمة. فلماذا لا تدعو مصر والسعودية إلي حوار مع إيران تشارك فيه سوريا؟!
No comments:
Post a Comment