بقلم د. عمرو الشوبكي ١٨/١/٢٠٠٧
جاء إعلان المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين في مصر عن نية الجماعة تأسيس حزب سياسي مدني، منفصل عن الجماعة الدعوية، ليمثل تحولا كبيرا في تاريخ الجماعة، وبداية مرحلة جديدة ستحتاج إلي تأسيس ثان يميزها عن المرحلة الأولي التي قادها الإمام المؤسس حسن البنا،
وظلت تحكم حركة الجماعة منذ تاريخ نشأتها عام ١٩٢٨ وحتي هذه اللحظة، والقائمة علي هذا التداخل بين الجماعة الدعوية والسياسية، وبين الدفاع عن العقيدة ونشر الدعوة الإسلامية، والعمل السياسي والحزبي.
وعكس عمر الجماعة الممتد لما يقرب من ٨٠ عاما قدرة فكرية وتنظيمية خاصة ميزتها عن باقي القوي السياسية الأخري، ساعدتها علي الاستمرار، وامتلكت خطاباً سياسياً عاما وكفاءة إدارية ودقة تنظيمية، سمحت لها بالانتشار الديني والسياسي وتقديم خدمات اجتماعية متعددة للمواطنين كانت مسار غيرة كثير من القوي السياسية سواء من في الحكم أو من في المعارضة.
وتميز التأسيس الأول للجماعة بأنه ضم كل شيء، ودمج الجماعة الدعوية الدينية بالنشاط الاجتماعي والسياسي، فنجد أن الإمام المؤسس حسن البنا يعرف الإخوان المسلمين بالقول:
أيها الإخوان أنتم لستم جمعية خيرية ولا حزبا سياسيا ولا هيئة موضوعية لأغراض محدودة المقصود، ولكنكم روح جديدة تسري في قلب هذه الأمة فتحييه بالقرآن، ونور جديد يشرق فيبدد ظلام المادة بمعرفة الله، وصوت داو يعلو مرددا دعوة الرسول، ومن الحق الذي لا غلو فيه أن تشعروا أنكم تحملون هذا العبء بعد أن تخلي عنه الناس.
وظلت الجماعة طوال الفترة الممتدة من عام ١٩٢٨ وحتي اندلاع حرب فلسطين عام ١٩٤٨ تقوم أساسا علي النشاط الدعوي ذي الطابع الاجتماعي والديني، وكان البعد السياسي بالمعني الذي نشاهده الآن متراجعا في خطاب الجماعة وحركتها، وبصورة غير مناسبة مع حجم الجماعة وانتشارها،
حيث غابت عن البرلمان المصري طوال الفترة شبة الليبرالية، ولم يكن لها نائب واحد قبل ثورة يوليو ١٩٥٢.
ومع بداية الثمانينيات عادت الجماعة بقوة إلي الساحة السياسية وحصلت في انتخابات ٢٠٠٥ علي ٨٨ مقعدا أي ١٠ أضعاف ما حصلت عليه الأحزاب الشرعية مجتمعة التي حصلت علي ٩ مقاعد،في مفارقة تبدو صارخة.
والحقيقة أن الثقافة السياسة التي بنيت علي أساسها جماعة الإخوان المسلمين بدت أنها غير قادرة بمفردها علي ملاحقة التطورات السياسية الأخيرة، خاصة بعد أن زاد الوزن السياسي للجماعة،
وزادت معها متطلبات نواب الإخوان وعناصره السياسية الجديدة، الذين وجدوا أنفسهم أمام نوعية مختلفة من المشكلات تستوجب مهارات وخبرات خاصة، لا تحل بالإحالة إلي الشعارات العامة كالتي رفعها الإخوان في الانتخابات الأخيرة كشعار «الإسلام هو الحل»،
بحيث لن تستطع الصيغة القديمة التي تجند الأعضاء علي أسس وشروط دينية أن تستمر بنفس الطريقة في عصر قائم علي المنافسة السياسية والحزبية لم يأت بعد.
ولكن حذر الإخوان من خطوة تأسيس الحزب مرده في الحقيقة دوافع متعددة بعضها يتعلق بالواقع السياسي «الشرعي» الذي تتواجد فيها أحزاب هامشية لا وجود لها في الشارع بفضل القيود الأمنية وأخطاء قادتها، ولكن هناك أيضا دوافع أخري تتعلق بطبيعة الخطوة «التاريخية» التي سيقدم عليها الإخوان في حال تأسيسهم حزباً سياسياً وستفرض عليهم ما يمكن تسميته بالتأسيس الثاني للجماعة.
إجمالا يمكن القول أن القيم الداخلية التي تربي عليها إخوان التأسيس الأول للجماعة، ظلت فعالة ومؤثرة خارج السلطة، وأنها لن تكون كذلك بعد تأسيس حزب سياسي يهدف إلي الوصول للسلطة ويتحرك تحت أضواء الإعلام وبريقه، ويتحول قادته إلي «نجوم جدد» في الفضائيات مثلهم مثل باقي القوي السياسية والحزبية الأخري،
ومع فتح أبواب الحزب للمواطنين مسلمين ومسيحيين ملتزمين دينيا وغير ملتزمين، ستصبح مع الوقت صورة الحزب السياسي مختلفة من حيث العضوية وأساليب التجنيد وشكل الخطاب السياسي والدعائي عن تلك الجماعة الدعوية التي تلزم أعضاءها بشكل صارم بضرورة الالتزام بالعبادات وبالقيم والمبادئ الدينية.
وسيتواكب مع تحدي «طبيعة العضوية» تحد آخر يتعلق بالأيديولوجيا التي تتبناها الجماعة، فالجماعة مازالت تستند علي مفهوم العقيدة الإسلامية الشاملة والكلية، في الوقت الذي انتقل فيه العالم منذ انهيار الاتحاد السوفيتي والكتلة الاشتراكية، من عصر الأيديولوجيات الكبري والشاملة إلي عصر الأيديولوجيات الجزئية والناعمة.
فالشيوعية والبعثية وغيرهما من العقائد السياسية الكبري استندت علي أفكار سعت إلي بناء الإنسان وتكوين الفرد الثوري أو الاشتراكي وهندسة المجتمع والأفراد داخل قوالب جامدة سابقة الصنع، انهارت جميعها وانهار معها هذا النمط من التفكير قبل أن تنهار خيارات هذه الأيديولوجيات نفسها.
ومن المؤكد أن الإخوان المسلمين ينتمون إلي هذا النوع من الأيديولوجيات الشاملة والكلية التي اعتبروا لفترات طويلة أنهم مختلفون عن الأيديولوجيات الأخري لأنهم يستندون إلي الدين والعقيدة الإسلامية المقدسة، ولكن في الواقع السياسي يتحول هذا الاستناد إلي فكر وممارسات سياسية،
وليس إلي نصوص مقدسة، وهو الأمر الذي يستلزم تأسيساً ثانياً للجماعة يجعلها تعي أن الانتماء الفكري والتربية العقائدية علي أساس الإيمان بالإسلام الشامل، لا تصلح بمفردها لبناء نهضة أمة وأوطان حديثة.
وهنا تأتي أهمية وعي «حزب الإخوان» بالعصر الجديد وأنهم يتحركون في عصر رسخ من قيم الديمقراطية ومبادئها، وهو الأمر الذي لم يكن مطروحا بنفس الدرجة في عصر التحرر الوطني والقومي في الستينيات، وصار أمامهم فرصة تاريخية أن ينفتحوا علي ما يعرف بـ «الأيديولوجيات الناعمة» التي تعني بمرونة بتفاصيل الواقع المعاش وفق رؤية نسبية، وتفرض فهما واقعيا للبيئة الدولية ولوزن القوي الكبري، ولا تسقط في شعارات الرفض المغيبة عن حقيقة العالم، ولا في ثقافة النخب العربية المطيعة للإملاءات الأمريكية.
من المؤكد أن حزب الإخوان لن يري النور في ظل النظام الحالي وأن الطريقة السيئة التي أدارت بها الحكومة «حربها» مع الإخوان تزيد من احتقان الوضع الاجتماعي والسياسي العام في البلاد، فقد ظلوا متهمين بأنهم يرفضون تأسيس حزب سياسي مدني،
وحين فكروا في تأسيس حزب اتهموا بأنهم مناورون يسعون لبناء دولة دينية، رغم أنهم أعلنوا أنهم يهدفون لتأسيس دولة مدنية، وأن من حق الجميع ألا يقبل بشرعية الوجود السياسي للإخوان إلا عبر الالتزام بقواعد الدولة المدنية الديمقراطية
No comments:
Post a Comment