بقلم د.عبدالمنعم سعيد ٢١/١/٢٠٠٧
مخطئ من يتصور أن حكومتنا فقط ـ وهي المتصدرة للحكم ـ تحتاج إلي إصلاح، ويجانب الصواب من يظن أن دستورنا وحده - مع أهميته القصوي- يحتاج إلي تبديل أو تعديل أو تغيير،
ومن يعتقد أن الحزب الوطني الديمقراطي دون غيره - مع أغلبيته - هو سبب تخلفنا الديمقراطي فهو بالتأكيد لا يعيش في مصر. فالحقيقة المرة هي أن نظامنا السياسي كله يحتاج إلي إصلاح وتعديل بكل ما فيه من قواعد وقوانين ومنظمات وأحزاب،
وقبل كل ذلك مناخ مسموم بالعنتريات والهجائيات، وأجواء مفعمة بالجهل وسلوك القبائل البدائية التي تشهر السيوف قبل أن تعرف حتي ما هو ميدان المعركة.
وخلال الشهور الأخيرة فإن الصحافة المصرية، الخاصة والعامة والقومية والمستقلة، لم تترك شاردة أو واردة في الحكم والدستور والحزب الوطني الديمقراطي ومن بعده بقية الأحزاب، إلا وتطرقت إليه، ولكن لم يكن الاهتمام أبدا جزءا من عملية التطور الديمقراطي بل كان دوما جزءا من عملية الصراع والهدم.
فلم يكن هناك اهتمام بحزب الوفد وما يجري فيه إلا ساعة الصراع بين الدكتور نعمان جمعة والأستاذ محمود أباظة، ولم يصل الحزب العربي الناصري إلي صفحات الصحف الأولي إلا ساعة الخلاف بين السيد أحمد حسن والسيد سامح عاشور، وفيما عدا ذلك فقد نظرت الصحافة إلي الناحية الأخري دون سؤال عن ضآلة حجم الحزبين علي الساحة الوطنية بعد أن علقتها ذات يوم - حقا أو ظلما- علي مشجب الحكم.
وخلال الأيام الأخيرة، انقسمت الصحافة المصرية إلي قسمين: واحد منهما يندد «بفضيحة الدم الفاسد» المتهمة فيها واحدة من شركات القطاع الخاص وصاحبها الدكتور هاني سرور نائب رئيس اللجنة الاقتصادية في مجلس الشعب، أما الآخر فقد وجد في الأمر كله «مؤامرة» لكي تحل الشركات الدولية العملاقة في صناعة الأدوية محل شركة وطنية.
وعندما تقلب في الصحف جميعها فإنك لن تعرف أبدا القصة الحقيقية، ومتي وكيف نبعت المشكلة، ولكنك في كل الأحوال سوف تحصل علي قدر هائل من الضجيج والصخب، وفي وسطها يتم انتهاك حقوق المواطن في الحصول علي سلعة طبية آمنة وبأسعار معقولة، وفوق ذلك انتهاك القانون بإصدار الأحكام قبل أن تتم الإدانة.. وحتي قبل توجيه التهم.
وما بين «الفضيحة» و«المؤامرة» غابت الحقيقة، وهي المراد الذي لم يكن أحد يبحث عنه علي أي حال، فالدم الفاسد فيه ما يكفي من إثارة المشاعر، والشركات الدولية العملاقة - خاصة في مجال الدواء - فيها في كل الأحوال ما يثير النفوس.
وعندما تكتب صحيفة «ليبرالية» عن محاضرة أستاذ أمريكي - أيا كانت آراؤه وتوجهاته - في أكثر من مؤسسة مصرية بأنها «فضيحة» ودعوة لتغيير النظام التعليمي المصري، وتقلب كل ما قاله الرجل رأسا علي عقب، فإنها تريد فقط أكبر قدر من الضجيج الذي تتفوق فيه علي ضجيج صحف أخري في قضايا مماثلة.
إن صحافة الضجيج ليست هي صحافة الديمقراطية، بل إنها في كثير من الأحيان تكون المقدمة الطبيعية للفاشية التي تزدهر تجهيزاتها ساعة الفوضي وأوقات المزايدة والجهل العام.
وفي هذه المرحلة تحديدا فإن مصر أحوج ما تكون إلي صحافة ذات عيون وعقول مفتوحة قادرة علي تحري المشكلات والوصول إلي جذورها، ببساطة أن تقوم بمهمتها التي تعرفها المهنة، فليست مهمتها افتعال المعارك وخلق قضايا لا وجود لها، وتضليل الرأي العام.
فهل يمكن لنقابة الصحفيين أن تقوم بهذه المهمة أم أنها مشغولة بحفلات تأبين صدام حسين ومن لف لفه من الساسة العرب الذين لم يعرفوا يوما لا صحافة ولا رأي؟! أيها السادة الزملاء الصحفيين انظروا إلي المرآة ولن يكون ما تشاهدونه جميلا بالمرة، وبعدها اقذفوا من تشاءون بالحجارة!.
No comments:
Post a Comment